ولك أن تعتبر صيغة المضارع منظورا فيها إلى متعلّقي الإيحاء وهو (إِلَيْكَ) و (إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ، فتجعل المضارع لاستحضار الصورة من الإيحاء إلى الرّسل حيث استبعد المشركون وقوعه فجعل كأنّه مشاهد على طريقة قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩] وقوله : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨].
وقرأ الجمهور (يُوحِي) بصيغة المضارع المبني للفاعل واسم الجلالة فاعل. وقرأه ابن كثير (يُوحِي) بالبناء للمفعول على أن (إِلَيْكَ) نائب فاعل ، فيكون اسم الجلالة مرفوعا على الابتداء بجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنّه لما قال : يوحى إليك ، قيل : ومن يوحيه ، فقيل : الله العزيز الحكيم ، أي يوحيه الله على طريقة قول ضرار بن نهشل (١) أو الحارث بن نهيك (٢) :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطوائح |
إذ كانت رواية البيت بالبناء للنائب.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤))
جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) مقررة لوصفه (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الشورى : ٣] لأن من كان ما في السماوات وما في الأرض ملكا له تتحقق له العزّة لقوة ملكوته ، وتتحقق له الحكمة لأن الحكمة تقتضي خلق ما في السماوات والأرض وإتقان ذلك النظام الذي تسير به المخلوقات. ولكون هذه الجملة مقررة معنى التي قبلها كانت بمنزلة التأكيد فلم تعطف عليها.
وجملة (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) عطف عليها مقررة لما قررته الجملة قبلها فإن من اتصف بالعلاء والعظمة لو لم يكن عزيزا لتخلف علاؤه وعظمته ، ولا يكون إلا حكيما لأن علاءه يقتضي سموّه عن سفاسف الصفات والأفعال ، ولو لم يكن عظيما لتعلقت إرادته بسفاسف الأمور ولتنازل إلى عبث الفعال.
والعلو هنا علو مجازي ، وهو السموّ في الكمال بحيث كان أكمل من كل موجود كامل. والعظمة مجازية وهي جلالة الصفات والأفعال. وأفادت صيغة الجملة معنى
__________________
(١) كذا نسب في كتب علم المعاني.
(٢) كذا عزاه سيبويه في كتابه.