في «شرح الشافية».
وقوله : (مِنْ فَوْقِهِنَ) يجوز أن يكون ضمير (فَوْقِهِنَ) عائدا على (السَّماواتُ) ، فيكون المجرور متعلقا بفعل (يَتَفَطَّرْنَ) بمعنى : أن انشقاقهن يحصل من أعلاهنّ ، وذلك أبلغ الانشقاق لأنه إذا انشقّ أعلاهن كان انشقاق ما دونه أولى ، كما قيل في قوله تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) كما تقدم في سورة البقرة [٢٥٩] وفي سورة الحج [٤٥]. وتكون (مِنْ) ابتدائيّة.
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى (الْأَرْضِ) من قوله تعالى : (وَما فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٤] على تأويل الأرض بأرضين باعتبار أجزاء الكرة الأرضية أو بتأويل الأرض بسكانها من باب (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
وتكون (مِنْ) زائدة زيادتها مع الظروف لتأكيد الفوقية ، فيفيد الظرف استحضار حالة التفطر وحالة موقعه ، وقد شبه انشقاق السماء بانشقاق الوردة في قوله تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [الرحمن : ٣٧]. والوردة تنشق من أعلاها حين ينفتح برعومها فيوشك إن هن تفطّرن أن يخررن على الأرض ، أي يكاد يقع ذلك لما فشا في الأرض من إشراك وفساد على معنى قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) [مريم : ٨٨ ـ ٩٠] ويرجحه قوله الآتي : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) [الشورى : ٦]. وعن ابن عباس يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) من قول المشركين (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦].
(وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
جملة عطفت على جملة يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) لإفادتها تقرير معنى عظمة الله تعالى وجلاله المدلول عليهما بقوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى : ٤].
مرتبة واجب الوجود سبحانه وهو أهل التنزيه والحمد ومرتبة الروحانيات وهي الملائكة وهي واسطة المتصرف القدير ومفيض الخير في تنفيذ أمره من تكوين وهدى وإفاضة خير على النّاس ، فهي حين تتلقى من الله أوامره تسبّحه وتحمده ، وحين تفيض خيرات ربّها على عباده تستغفر للذين يتقبلونها تقبل العبيد المؤمنين بربّهم ، وتلك إشارة إلى حصول ثمرات إبلاغها ، وذلك بتأثيرها في نظم أحوال العالم الإنساني. ومرتبة البشرية المفضلة بالعقل إذ أكمله الإيمان وهي المراد ب (من في الأرض).