(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦))
جملة معطوفة على جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٤] بعد أن أفيد ما هو كالحجة على أن لله ما في السماوات وما في الأرض من قوله (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) يكاد السماوات [الشورى : ٤ ، ٥] الآيتين. فالمعنى : قد نهضت حجة انفراده تعالى بالعزة والحكمة والعلوّ والعظمة وعلمها المؤمنون فاستغفرت لهم الملائكة. وأما الذين لم يبصروا تلك الحجة وعميت عليهم الأدلة فلا تهتمّ بشأنهم فإن الله حسبهم وما أنت عليهم بوكيل. فهذا تسكين لحزن الرّسول صلىاللهعليهوسلم من أجل عدم إيمانهم بوحدانية الله تعالى.
وهذه مقدّمة لما سيأمر به الرّسول صلىاللهعليهوسلم من الدعوة ابتداء من قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) [الشورى : ٧] الآية ، ثم قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] الآيات ، ثم قوله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) [الشورى : ١٥] ، وقوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) [الشورى : ٢٣] الآية.
وقوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) مبتدأ وجملة (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) خبر عن (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ).
والحفيظ : فعيل بمعنى فاعل ، أي حافظ ، وتختلف معانيه ومرجعها إلى رعاية الشيء والعناية به : ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال المرقوب وأعماله ، وباختلاف معانيه تختلف تعديته بنفسه أو بحرف جرّ يناسب المعنى ، وقد عدّي هنا بحرف (على) كما يعدّى الوكيل لأنه بمعناه.
والوكيل فعيل بمعنى مفعول وهو الموكول إليه عمل في شيء أو اقتضاء حق. يقال : وكله على كذا ، ومنه الوكالة في التصرفات المالية والمخاصمة ، ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال الموكّل عليه وأعماله. وقد استعمل (حَفِيظٌ) و (وكيل) هنا في استعمالهما الكنائي عن متقارب المعنى فلذلك قد يفسر أهل اللّغة أحد هذين اللفظين بما يقرب من تفسير اللّفظ الآخر كتفسير المرادف بمرادفه ، وذلك تسامح. فعلى من يريد التفرقة بين اللّفظين أن يرجع بهما إلى أصل مادتي (حفظ) و (وكل) ، فمادة (حفظ) تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول ، ومادة (وكل) تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول وتجاوزه من ذلك المفعول إلى شيء آخر هو متعلق به ، وبذلك كان فعل (حفظ) مفيدا بمجرد ذكر فاعله ومفعوله دون احتياج إلى متعلّق آخر ، بخلاف فعل (وكل)