منزلة من يحسب أنه وكيل على إيمانهم وحصل من هذا التنزيل تعريض بهم بأنهم لا يضرّون الرّسول صلىاللهعليهوسلم إذا لم يصدّقوه.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧))
عطف على جملة (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ) [الشورى : ٣] إلخ باعتبار المغايرة بين المعطوفة والمعطوف عليها بما في المعطوفة من كون الموحى به قرآنا عربيّا ، وما في المعطوف عليها من كونه من نوع ما أوحي به إلى الذين من قبله. والقول في (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) كالقول في (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) [الشورى : ٣].
وإنّما أعيد (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) ليبنى عليه (قُرْآناً عَرَبِيًّا) لما حجز بينهما من الفصل وأصل النظم : كذلك يوحي إليك الله العزيز الحكيم قرآنا عربيا مع ما حصل بتلك الإعادة من التأكيد لتقرير ذلك المعنى أفضل تقرير.
والعدول عن ضمير الغائب إلى ضمير العظمة التفات. وفي هذا إشارة إلى أنه لا فرق بين ما أوحي إليك وما أوحي إلى من قبلك ، إلا اختلاف اللّغات كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم : ٤].
والقرآن مصدر : قرأ ، مثل : غفران وسبحان ، وأطلق هنا على المقروء مبالغة في الاتصاف بالمقروئية لكثرة ما يقرؤه القارءون وذلك لحسنه وفائدته ، فقد تضمن هذا الاسم معنى الكمال بين المقروءات. و (عَرَبِيًّا) نسبة إلى العربية ، أي لغة العرب لأنّ كونه قرآنا يدلّ على أنه كلام ، فوصفه بكونه (عَرَبِيًّا) يفيد أنه كلام عربي.
وقوله : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) تعليل ل (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) لأن كونه عربيّا يليق بحال المنذرين به وهم أهل مكّة ومن حولها ، فأولئك هم المخاطبون بالدّين ابتداء لما اقتضته الحكمة الإلهية من اختيار الأمة العربية لتكون أوّل من يتلقّى الإسلام وينشره بين الأمم ، ولو روعي فيه جميع الأمم المخاطبين بدعوة الإسلام لاقتضى أن ينزل بلغات لا تحصى ، فلا جرم اختار الله له أفضل اللّغات واختار إنزاله على أفضل البشر.
و (أُمَّ الْقُرى) مكّة ، وكنيت : أم القرى لأنها أقدم المدن العربية فدعاها العرب : أم القرى ، لأن الأم تطلق على أصل الشيء مثل : أم الرأس ، وعلى مرجعه مثل قولهم للراية :