ويوم الجمع : يوم القيامة ، سمي (يَوْمَ الْجَمْعِ) لأن الخلائق تجمع فيه للحساب ، قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [التغابن : ٩].
والجمع مصدر ، ويجوز أن يكون اسما للمجتمعين كقوله تعالى : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) [ص : ٥٩] ، أي يوم جماعة النّاس كلهم.
وجملة (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، وعطفت عليها جملة (وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) فكان الجملتان جوابا لسؤال سائل عن شأن هذا الجمع إن كان بمعنى المصدر.
فقيل : فريق في الجنّة وفريق في السعير ، أي فريق من المجموعين بهذا الجمع في الجنّة وفريق في السعير ، أو لسؤال سائل عن حال هذا الجمع إن كان الجمع بمعنى المجموعين : والتقدير : فريق منهم في الجنّة وفريق منهم في السعير. وتقدم السعير عند قوله تعالى : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) في سورة الإسراء [٩٧]. وسوغ الابتداء ب (فَرِيقٌ) وهو نكرة لوقوعها في معرض التفصيل كقول امرئ القيس :
فأقبلت زحفا على الركبتين |
|
فثوب لبست وثوب أجرّ |
وجملة (لا رَيْبَ فِيهِ) معترضة بين البيان والمبيّن. ومعنى (لا رَيْبَ فِيهِ) أن دلائله تنفي الشك في أنه سيقع فنزّل ريب المرتابين في منزلة العدم لأن موجبات اليقين بوقوعه بينة كقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) في سورة البقرة [٢]. وظرفية الريب المنفي في ضمير اليوم في قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) من باب إيقاع الفعل ونحوه على اسم الذات ، والمراد: إيقاعه على بعض أحوالها التي يدل عليها المقام مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] ، أي أكلها ، أي لا ريب في وقوعه. وجملة (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ) إلخ معترضة و (فَرِيقٌ) خبر مبتدأ محذوف على طريقة الحذف المتابع فيه الاستعمال كما سماه السكاكي ، أي هم فريق في الجنّة إلخ.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨))
عطف على جملة (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧]. والغرض من هذا العطف إفادة أن كونهم فريقين أمر شاء الله تقديره ، أي أوجد أسبابه بحكمته ولو شاء لقدّر أسباب اتحادهم على عقيدة واحدة من الهدى فكانوا سواء في المصير ، والمراد : لكانوا جميعا في الجنّة.