وتقديم المتعلّقين في (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) لإفادة الاختصاص ، أي لا أتوكّل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه.
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١))
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
خبر ثان عن الضمير في قوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الشورى : ٩] ، وما بينهما اعتراض كما علمت آنفا أعقب به أنه على كل شيء قدير ، فإن خلق السماوات والأرض من أبرز آثار صفة القدرة المنفرد بها.
والفاطر : الخالق ، وتقدم في أوّل سورة فاطر [١].
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ).
جملة في موضع الحال من ضمير (فاطِرُ) لأن مضمونها حال من أحوال فطر السماوات والأرض فإن خلق الإنسان والأنعام من أعجب أحوال خلق الأرض. ويجوز كونها خبرا ثالثا عن ضمير (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الشورى : ٩].
والمعنى : قدّر في تكوين نوع الإنسان أزواجا لأفراده ، ولما كان ذلك التقدير مقارنا لأصل تكوين النوع جيء فيه بالفعل الماضي.
والخطاب في قوله : (لَكُمْ) للنّاس كلّهم. والخطاب التفات من الغيبة. واللام للتعليل. وتقديم (لَكُمْ) على غيره من معمولات (جَعَلَ) ليعرف أنه معمول لذلك الفعل فلا يتوهم أنه صفة ل (أَزْواجاً) ، وليكون التعليل به ملاحظا في المعطوف بقوله (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً).
والأزواج : جمع زوج وهو الذي ينضمّ إلى فرد فيصير كلاهما زوجا للآخر والمراد هنا : الذكور والإناث من النّاس ، أي جعل لمجموعكم أزواجا ، فللذكور أزواج من الإناث ، وللنساء أزواج من الرّجال ، وذلك لأجل الجميع لأن بذلك الجعل حصلت لذة التأنس ونعمة النسل.
ومعنى (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من نوعكم ، ومن بعضكم ، كقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩]. وكون الأزواج من أنفسهم كمال في