كاحتواء المنبع على مائه والمعدن على ترابه ومثله قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩].
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
خبر ثالث أو رابع عن الضمير في قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الشورى :٩]. وموقع هذه الجملة كالنتيجة للدليل فإنه لما قدم ما هو نعم عظيمة تبيّن أن الله لا يماثله شيء من الأشياء في تدبيره وإنعامه.
ومعنى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ليس مثله شيء ، فأقحمت كاف التشبيه على (مثل) وهي بمعناه لأن معنى المثل هو الشبيه ، فتعيّن أن الكاف مفيدة تأكيدا لمعنى المثل ، وهو من التأكيد اللّفظي باللّفظ المرادف من غير جنسه ، وحسّنه أن الموكّد اسم فأشبه مدخول كاف التشبيه المخالف لمعنى الكاف فلم يكن فيه الثقل الذي في قول خطام المجاشعي :
وصاليات ككما يؤثفين (١)
وإذ قد كان المثل واقعا في حيّز النفي فالكاف تأكيد لنفيه فكأنّه نفي المثل عنه تعالى بجملتين تعليما للمسلمين كيف يبطلون مماثلة الأصنام لله تعالى. وهذا الوجه هو رأي ثعلب وابن جنّي والزجّاج والراغب وأبي البقاء وابن عطية.
وجعله في «الكشاف» وجها ثانيا ، وقدّم قبله أن تكون الكاف غير مزيدة ، وأن التقدير : ليس شبيه مثله شيء والمراد : ليس شبه ذاته شيء ، فأثبت لذاته مثلا ثم نفى عن ذلك المثل أن يكون له مماثل كناية عن نفي المماثل لذات الله تعالى ، أي بطريق لازم اللازم لأنه إذا نفي المثل عن مثله فقد انتفى المثل عنه إذ لو كان له مثل لما استقام قولك : ليس شيء مثل مثله. وجعله من باب قول العرب : فلان قد أيفعت لداته ، أي أيفع هو فكني بإيفاع لداته عن إيفاعه. وقول رقيقة بنت صيفي (٢) في حديث سقيا عبد المطلب «ألا وفيهم الطّيّب الطاهر لداته» ا ه. أي ويكون معهم الطيّب الطاهر يعني النبيصلىاللهعليهوسلم.
وتبعه على ذلك ابن المنير في «الانتصاف» ، وبعض العلماء يقول : هو كقولك ليس
__________________
(١) رجز وقبله :
لم يبق من آي بها تحيين |
|
غير حطام ورمادي كفتين. |
(٢) هي رقيقة بقافين بصيغة التصغير بنت صيفي (والصواب أبي صيفي) بن هشام بن عبد المطلب.