وجملة (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) استئناف بياني هو كالعلة لقوله : (لِمَنْ يَشاءُ) ، أي أنّ مشيئته جارية على حسب علمه بما يناسب أحوال المرزوقين من بسط أو قدر.
وبيان هذا في قوله الآتي : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى: ٢٧].
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣))
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
انتقال من الامتنان بالنعم الجثمانية إلى الامتنان بالنعمة الروحية بطريق الإقبال على خطاب الرّسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين للتنويه بدين الإسلام وللتعريض بالكفار الذين أعرضوا عنه.
فالجملة ابتدائية.
ومعنى (شَرَعَ) أوضح وبيّن لكم مسالك ما كلفكم به. وأصل (شَرَعَ) جعل طريقا واسعة ، وكثر إطلاقه على سنّ القوانين والأديان فسمّي الدّين شريعة. فشرع هنا مستعار للتبيين كما في قوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) الشورى : ٢١] ، وتقدم في قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) في سورة العقود [٤٨].
والتعريف في (الدِّينِ) تعريف الجنس ، وهو يعمّ الأديان الإلهية السابقة. و (مِنَ) للتبعيض.
والتوصية : الأمر بشيء مع تحريض على إيقاعه والعمل به. ومعنى كونه شرع للمسلمين من الدّين ما وصّى به نوحا أن الإسلام دين مثل ما أمر به نوحا وحضّه عليه. فقوله : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) مقدر فيه مضاف ، أي مثل ما وصّى به نوحا ، أو هو بتقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ مبالغة في شدة المماثلة حتى صار المثل كأنّه عين مثله. وهذا تقدير شائع كقول ورقة بن نوفل : «هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى».
والمراد : المماثلة في أصول الدّين مما يجب لله تعالى من الصفات ، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع ، وأعظمها توحيد الله ، ثم ما بعده من الكليات الخمس