الضروريات ، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها ، فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أودع مثله في دين الإسلام. فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد ، والإيمان بالبعث والحياة الآخرة ، وتقوى الله بامتثال أمره واجتناب منهيّه على العموم ، وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف ، قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٤ ـ ١٩]. وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه.
ودين الإسلام لم يخل عن تلك الأصول وإن خالفها في التفاريع تضييقا وتوسيعا ، وامتازت هذه الشريعة بتعليل الأحكام وسدّ الذرائع والأمر بالنظر في الأدلة وبرفع الحرج وبالسماحة وبشدة الاتصال بالفطرة ، وقد بيّنت ذلك في كتابي «مقاصد الشريعة الإسلامية». أو المراد المماثلة فيما وقع عقبه بقوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) إلخ بناء على أن تكون (أَنْ) تفسيرية ، أي شرع لكم وجوب إقامة الدّين الموحى به وعدم التفرّق فيه كما سيأتي. وأيّا ما كان فالمقصود أن الإسلام لا يخالف هذه الشرائع المسمّاة ، وأن اتّباعه يأتي بما أتت به من خير الدّنيا والآخرة.
والاقتصار على ذكر دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأن نوحا أول رسول أرسله الله إلى النّاس ، فدينه هو أساس الدّيانات ، قال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) والنبيئين (مِنْ بَعْدِهِ) [النساء : ١٦٣] ولأن دين إبراهيم هو أصل الحنيفية وانتشر بين العرب بدعوة إسماعيل إليه فهو أشهر الأديان بين العرب ، وكانوا على أثارة منه في الحجّ والختان والقرى والفتوة. ودين موسى هو أوسع الأديان السابقة في تشريع الأحكام ، وأما دين عيسى فلأنه الدّين الذي سبق دين الإسلام ولم يكن بينهما دين آخر ، وليتضمن التهيئة إلى دعوة اليهود والنصارى إلى دين الإسلام. وتعقيب ذكر دين نوح بما أوحي إلى محمّد عليهماالسلام للإشارة إلى أن دين الإسلام هو الخاتم للأديان ، فعطف ، على أول الأديان جمعا بين طرفي الأديان ، ثم ذكر بعدهما الأديان الثلاثة الأخر لأنها متوسطة بين الدينين المذكورين قبلها. وهذا نسج بديع من نظم الكلام ، ولو لا هذا الاعتبار لكان ذكر الإسلام مبتدأ به كما في قوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) والنبيئين من بعده [النساء: ١٦٣] وقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ) النبيئين (مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) الآية في سورة الأحزاب [٧].
وذكر في «الكشاف» في آية الأحزاب أن تقديم ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم في التفصيل لبيان