للإرادة والتقدير. وسبقها تقدمها من قبل وقت تفرقهم وذلك سبق علم الله بها وإرادته إيّاها على وقف علمه وقدره ، وقد تقدم نظير هذه الكلمة في سورة هود وفي سورة طه.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ).
عطف على جملة (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) إلى قوله : (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ). وهذه الجملة هي المقصود من جملة (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) إلى قوله : (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] ، لأن المقصود أهل الكتاب الموجودون في زمن نزول الآية.
وإذ قد كانت من الأمم التي أوحى الله إلى رسلهم أمتان موجودتان في حين نزول هذه الآية وهما اليهود والنصارى ، وكانتا قد تفرقتا فيما جاءهم به العلم ، وكان الله قد أخّر القضاء بين المختلفين منهم إلى أجل مسمّى ، وكانوا لمّا بلغتهم رسالة محمّدصلىاللهعليهوسلم شكّوا في انطباق الأوصاف التي وردت في الكتاب بوصف النبي الموعود به.
فالمعنى : أنه كما تفرق أسلافهم في الدّين قبل بعثة النبي الموعود به تفرق خلفهم مثلهم وزادوا تفرقا في تطبيق صفات النبي الموعود به تفرقا ناشئا عن التردد والشك ، أي دون بذل الجهد في تحصيل اليقين ، فلم يزل الشك دأبهم. فالمخبر عنهم بأنهم في شك : هم الذين أورثوا الكتاب من بعد سلفهم.
وقد جاء نظم الآية على أسلوب إيجاز يتحمل هذه المعاني الكثيرة وما يتفرع عنها ، فجيء بضمير (مِنْهُ) بعد تقدّم ألفاظ صالحة لأن تكون معاد ذلك الضمير ، وهي لفظ (الدِّينِ) في قوله (مِنَ الدِّينِ) [الشورى : ١٣] ، ولفظ (الَّذِي) في قوله : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الشورى : ١٣] ، و (ما) الموصولة في قوله : (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) [الشورى : ١٣] ، وهذه الثلاثة مدلولها الإسلام. وهنالك لفظ (ما وَصَّيْنا) [الشورى : ١٣] المتعدّي إلى موسى وعيسى ، ولفظ (الْكِتابَ) في قوله (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا)(١)(الْكِتابَ). وهذان مدلولهما كتابا أهل الكتاب.
وهؤلاء الذين أوتوا الكتاب هم الموجودون في وقت نزول الآية. والإخبار عنهم بأنهم في شك ناشئ من تلك المعادات للضمير معناه : أن مبلغ كفرهم وعنادهم لا يتجاوز حالة الشك في صدق الرّسالة المحمدية ، أي ليسوا مع ذلك بموقنين بأن الإسلام
__________________
(١) في المطبوعة أوتوا وهو خطأ.