باطل ، ولكنهم تردّدوا ثم أقدموا على التكذيب به حسدا وعنادا. فمنهم من بقي حالهم في الشك. ومنهم من أيقن بأن الإسلام حق ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٦]. ويحتمل أن المعنى لفي شك بصدق القرآن أو في شك مما في كتابهم من الأمور التي تفرقوا فيها ، أو ما في كتابهم من الدّلالة على مجيء النبي الموعود به وصفاته. فهذه معان كثيرة تتحملها الآية وكلها منطبقة على أهل الكتابين وبذلك يظهر أنه لا داعي إلى صرف كلمة (شَكٍ) عن حقيقتها.
ومعنى (أُورِثُوا الْكِتابَ) صار إليهم علم الكتاب الذي اختلف فيه سلفهم فاستعير الإرث للخلفيّة في علم الكتاب.
والتعريف في (الْكِتابَ) للجنس ليشمل كتاب اليهود وكتاب النصارى.
فضمير (مِنْ بَعْدِهِمْ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (تَفَرَّقُوا) وهم الذين خوطبوا بقوله (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣].
وظرفية قوله : (لَفِي شَكٍ) ظرفية مجازية وهي استعارة تبعية ، شبه تمكن الشك من نفوسهم بإحاطة الظرف بالمظروف.
و (من) في قوله : (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) ابتدائية وهو ابتداء مجازي معناه المصاحبة والملابسة ، أي شك متعلق به أو في شك بسببه. ففي حرف (من) استعارة تبعية ، وقع حرف (من) موقع باء المصاحبة أو السببية.
وتأكيد الخبر ب (إِنَ) للاهتمام ومجرد تحقيقه للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، وهذا الاهتمام كناية عن التحريض للحذر من مكرهم وعدم الركون إليهم لظهور عداوتهم لئلا يركنوا إليهم ، ولعل اليهود قد أخذوا يومئذ في تشكيك المسلمين واختلطوا بهم في مكّة ليتطلعوا حال الدعوة المحمدية.
هذا هو الوجه في تفسير هذه الآية وهو الذي يلتئم مع ما قبله ومع قوله بعده (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) [الشورى : ١٥] الآية.
والمريب : الموجب الريب وهو الاتهام. فالمعنى : لفي شك يفضي إلى الظنة والتهمة ، أي شك مشوب بتكذيب ، ف (مُرِيبٍ) اسم فاعل من أراب الذي همزته للتعدية ،