والمراد بالجمع في قوله : (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) الحشر لفصل القضاء ، فيومئذ يتبين المحق من المبطل ، وهذا كلام منصف. ولما كان مثل هذا الكلام لا يصدر إلا من الواثق بحقه كان خطابهم به مستعملا في المتاركة والمحاجزة ، أي سأترك جدالكم ومحاجّتكم لقلة جدواها فيكم وأفوض أمري إلى الله يقضي بيننا يوم يجمعنا ، فهذا تعريض بأن القضاء سيكون له عليهم. وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) للتقوّي ، أي تحقيق وقوع هذا الجمع وإلا فإن المخاطبين وهم اليهود يثبتون البعث. و (بين) هنا ظرف موزّع مثل الذي في قوله : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ).
وجملة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) عطف على جملة (يَجْمَعُ بَيْنَنا). والتعريف في (الْمَصِيرُ) للاستغراق ، أي مصير النّاس كلّهم ، فبذلك كانت الجملة تذييلا بما فيها من العموم ، أي مصيرنا ومصيركم ومصير الخلق كلهم.
وهذه الجمل الأربع تقتضي المحاجزة بين المؤمنين وبين اليهود وهي محاجزة في المقاولة ومتاركة في المقاتلة في ذلك الوقت حتى أذن الله في قتالهم لما ظاهروا الأحزاب.
وليس في صيغ هذه الجمل ما يقتضي دوام المتاركة إذ ليس فيها ما يقتضي عموم الأزمنة فليس الأمر بقتال بعضهم بعد يوم الأحزاب ناسخا لهذه الآية.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦))
عطف على جملة (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [الشورى : ١٥] إلخ ، وهو يقتضي انتقال الكلام ، فلما استوفى حظ أهل الكتاب في شأن المحاجّة معهم ، رجع إلى المشركين في هذا الشأن بقوله : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ).
وتغيير الأسلوب بالإتيان بالاسم الظاهر الموصول وكون صلته مادة الاحتجاج مؤذن بتغيير الغرض في المتحدث عنهم مع مناسبة ما ألحق به من قوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨] وقوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشورى : ٢١] ، فالمقصود ب (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) : المشركون لأنهم يحاجّون في شأن الله وهو الوحدانية دون اليهود من أهل الكتاب فإنهم لا يحاجّون في تفرد الله بالإلهية. وعن مجاهد أنه قال : (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) رجال طمعوا أن