وعطفت على (مُشْفِقُونَ مِنْها) جملة (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) لإفادة أن إشفاقهم منها إشفاق عن يقين وجزم لا إشفاق عن تردد وخشية أن يكشف الواقع على صدق الإخبار بها وأنه احتمال مساو عندهم. وتعريف (الْحَقُ) في قوله : (أَنَّهَا الْحَقُ) تعريف الجنس وهو يفيد قصر المسند على المسند إليه قصر مبالغة لكمال الجنس في المسند إليه نحو : عنترة الشجاع ، أي يوقنون بأنها الحق كل الحق ، وذلك لظهور دلائل وقوعها حتى كأنه لا حق غيره.
(أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
الجملة تذييل لما قبلها بصريحها وكنايتها لأن صريحها إثبات الضلال للذين يكذّبون بالساعة وكنايتها إثبات الهدى للذين يؤمنون بالساعة. وهذا التذييل فذلكة للجملة التي قبلها.
وافتتاح الجملة بحرف (أَلا) الذي هو للتنبيه لقصد العناية بالكلام.
والمماراة : مفاعلة من المرية بكسر الميم وهي الشك. والمماراة : الملاحّة لإدخال الشك على المجادل ، وقد تقدم في قوله تعالى : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) في سورة الكهف [٢٢].
وجعل الضلال كالظرف لهم تشبيها لتلبسهم بالضلال بوقوع بالمظروف في ظرفه ، فحرف في للظرفية المجازية.
ووصف الضلال بالبعيد وصف مجازي ، شبه الكفر بضلال السائر في طريق وهو يكون أشد إذا كان الطريق بعيدا ، وذلك كناية عن عسر إرجاعه إلى المقصود.
والمعنى : لفي ضلال شديد ، وتقدم في قوله : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) في سورة النساء [١١٦].
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩))
هذه الجملة توطئة لجملة (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) [الشورى : ٢٠] لأن ما سيذكر في الجملة الآتية هو أثر من آثار لطف الله بعباده ورفقه بهم وما يسّر من الرزق للمؤمنين منهم والكفار في الدّنيا ، ثم ما خصّ به المؤمنين من رزق الآخرة ، فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا مقدّمة لاستئناف الجملة الموطّإ لها ، وهي جملة (مَنْ كانَ