ومعنى (نُؤْتِهِ مِنْها) : نقدر له من متاع الدنيا من : مدة حياة وعافية ورزق لأن الله قدر لمخلوقاته أرزاقهم وأمدادهم في الدّنيا ، وجعل حظ الآخرة خاصا بالمؤمنين كما قال: (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء : ١٩]. وقد شملت آية سورة الإسراء فريقا آخر غير مذكور هنا ، وهو الذي يؤمن بالآخرة ويبتغي النجاة فيها ولكنه لم يؤمن بالإسلام مثل أهل الكتاب ، وهذا الفريق مذكور أيضا في سورة البلد [١١ ـ ١٧] بقوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ) إلى قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا).
فلا يتوهمنّ متوهم أن هذه الآية ونحوها تحجر تناول المسلم حظوظ الدّنيا إذا أدى حق الإيمان والتكليف ، ولا أنها تصدّ عن خلط الحظوظ الدنيوية مع حظوظ الآخرة إذا وقع الإيفاء بكليهما ، ولا أن الخلط بين الحظين ينافي الإخلاص كطلب التبرد مع الوضوء وطلب الصحة مع التطوع بالصوم إذا كان المقصد الأصلي الإيفاء بالحق الديني. وقد تعرض لهذه المسألة أبو إسحاق الشاطبي في فصل أول من المسألة السادسة من النوع الرابع من كتاب «المقاصد» من كتاب «الموافقات». وذكر فيها نظرين مختلفين للغزالي وأبي بكر بن العربي ورجح فيها رأي أبي بكر بن العربي فانظره.
والنصيب : ما يعيّن لأحد من الشيء المقسوم ، وهو فعيل من نصب لأن الحظ ينصب ، أي يجعل كالصّبرة لصاحبه ، وتقدم عند قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) في سورة البقرة [٢٠٢].
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١))
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ).
(أَمْ) للإضراب الانتقالي وهو انتقال من الكلام على تفرق أهل الشرائع السالفة في شرائعهم من انقرض منهم ومن بقي كأهل الكتابين إلى الكلام على ما يشابه ذلك من الاختلاف على أصل الديانة ، وتلك مخالفة المشركين للشرائع كلّها وتلقّيهم دين الإشراك من أئمة الكفر وقادة الضلال.
ومعنى الاستفهام الذي تقضيه (أَمْ) التي للإضراب هو هنا للتقريع والتهكّم ، فالتقريع راجع إلى أنهم شرعوا من الدّين ما لم يأذن به الله والتهكم راجع إلى من شرعوا