وجملة (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) تذييل. والإشارة إلى مضمون قوله : (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) بتأويل : ذلك المذكور. وجيء باسم إشارة البعيد استعارة لكون المشار إليه بعيد المكانة بعد ارتفاع مجازي وهو الشرف.
و (الْفَضْلُ) يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الشرف والتفوق على الغير فيكون في معنى : فضلهم ، ويجوز أن يكون اسما لما يتفضل به من عطاء فيكون في معنى : ذلك فضلنا عليهم ، وفي هذا الأخير دلالة على أن ثواب الأعمال فضل من الله لأن طاعة العباد واجبة عليهم فإذا أدّوها فقد فعلوا ما لا يسعهم إلا فعله فلو لم يثابوا على ذلك لم يكن عدم إثابتهم ظلما.
وضمير الفصل يفيد قصرا ادعائيا للمبالغة في أعظمية الفضل ، و (الْفَضْلُ) يصلح لأن يعتبر كالمضاف إلى المفعول ، أي فضل الله عليهم ، وأن يعتبر كالمضاف إلى الفاعل فضلهم ، أي شرفهم وبركتهم فيؤول معنى القصر إلى أن الفضل الذي حصل للذين آمنوا وعملوا الصالحات أكبر فضل.
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
اسم الإشارة مؤكد لنظيره الذي قبله ، أي ذلك المذكور الذي هو فضل يحصل لهم في الجنّة هو أيضا بشرى لهم من الحياة الدنيا.
والعائد من الصلة إلى الموصول محذوف تقديره : الذي يبشر الله به عباده. وحذفه هنا لتنزيله منزلة الضمير المنصوب باعتبار حذف الجار على طريقة حذفه في نحو قوله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥] بتقدير : من قومه ، فلما عومل معاملة المنصوب حذف كما يحذف الضمير المنصوب.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر ويعقوب وخلف (يُبَشِّرُ) بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة ، وهو من بشّره ، إذا أخبره بحادث يسره. وقرأه ابن كثير وأبو عمر وحمزة والكسائي (يُبَشِّرُ) بفتح التحتية وسكون الموحدة وضم الشين مخففة ، يقال : بشرت الرجل بتخفيف الشين أبشره من باب نصر إذا غبطه بحادث يسرّه.