المعنى : إلا أن تودّوا أقاربي تلفيق معنى عن فهم غير منظور فيه إلى الأسلوب العربي ، ولا تصح فيه رواية عمن يعتد بفهمه.
أمّا كون محبة آل النبي صلىاللهعليهوسلم لأجل محبة ما له اتصال به خلقا من أخلاق المسلمين فحاصل من أدلة أخرى ، وتحديد حدودها مفصّل في «الشفاء» لعياض. والاستثناء منقطع لأن المودّة لأجل القرابة ليست من الجزاء على تبليغ الدعوة بالقرآن ولكنها مما تقتضيه المروءة فليس استثناؤها من عموم الأجر المنفي استثناء حقيقيا. والمعنى : لا أسألكم على التبليغ أجرا وأسألكم المودّة لأجل القربى. وإنما سألهم المودّة لأن معاملتهم إياه معاملة المودّة معينة على نشر دعوة الإسلام ، إذ تلين بتلك المعاملة شكيمتهم فيتركون مقاومته فيتمكن من تبليغ دعوة الإسلام على وجه أكمل. فصارت هذه المودة غرضا دينيا لا نفع فيه لنفس النبي صلىاللهعليهوسلم.
وفي بعض الأخبار الموضوعة في أسباب النزول أن سبب نزول هذه الآية : أن النبيصلىاللهعليهوسلم لمّا قدم المدينة كانت تنوبه نوائب لا يسعها ما في يديه. فقالت الأنصار : إن هذا الرجل هداكم الله به فنجمع له مالا ، ففعلوا ثم أتوه به ، فنزلت. وفي رواية : أن الأنصار قالوا له يوما : أنفسنا وأموالنا لك ، فنزلت. وقيل نزل (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) إلى قوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [الشورى : ٢٣ ، ٢٤]. ولأجل ذلك قال فريق : إن هذه الآيات مدنية كما تقدم في أول السورة وهي أخبار واهية.
وتضمنت الآية أن النبي صلىاللهعليهوسلم منزّه عن أن يتطلب من الناس جزاء على تبليغ الهدى إليهم فإن النبوءة أعظم مرتبة في تعليم الحقّ وهي فوق مرتبة الحكمة ، والحكماء تنزّهوا عن أخذ الأجر على تعليم الحكمة ، فإن الحكمة خير كثير والخير الكثير لا تقابله أعراض الدنيا ، ولذلك أمر الله رسله بالتنزّه عن طلب جزاء على التبليغ ، فقال حكاية عن نوح (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٠٩]. وكذلك حكى عن هود وصالح ولوط وشعيب.
(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).
تذييل لجملة (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) والمعنى: وكلما عمل مؤمن حسنة زدناه حسنا من ذلك الفضل الكبير. وهذا في معنى قوله تعالى : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] والواو اعتراضية.