والاقتراف : افتعال من القرف ، وهو الاكتساب ، فالاقتراف مبالغة في الكسب نظير الاكتساب ، وليس خاصا باكتساب السوء وإن كان قد غلب فيه ، وأصله من قرف الشجرة ، إذا قشر قرفها ، بكسر القاف ، وهو لحاؤها ، أي قشر عودها ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) في سورة الأنعام [١١٣] ، وعند قوله : (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) في سورة براءة [٢٤].
والحسنة : الفعلة ذات الحسن صفة مشبهة غلبت في استعمال القرآن والسنة على الطاعة والقربة فصارت بمنزلة الجوامد علما بالغلبة وهي مشتقة من الحسن وهو جمال الصورة. والحسن : ضد القبح وهو صفة في الذات تقتضي قبول منظرها في نفوس الرّائين وميلهم إلى مداومة مشاهدتها. وتوصف المعنويات بالحسن فيراد به كون الفعل أو الصفة محمودة عند العقول مرغوبا في الاتصاف بها.
ولما كانت الحسنة مأخوذة من الحسن جعلت الزيادة فيها من الزيادة في الحسن مراعاة لأصل الاشتقاق فكان ذكر الحسن من الجناس المعبر عنه بجناس الاشتقاق نحو قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) [الروم : ٤٣] ، وصار المعنى نزد له فيها مماثلا لها. ويتعين أن الزيادة فيها زيادة من غير عمله ولا تكون الزيادة بعمل يعمله غيره لأنها تصير عملا يستحق الزيادة أيضا فلا تنتهي الزيادة فتعيّن أن المراد الزيادة في جزاء أمثالها عند الله. وهذا معنى قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] وقوله (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من هم بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف».
وجملة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) تذييل وتعليل للزيادة لقصد تحقيقها بأن الله كثيرة مغفرته لمن يستحقها ، كثير شكره للمتقربين إليه. والمقصود بالتعليل هو وصف الشكور ، وأما وصف الغفور فقد ذكر للإشارة إلى ترغيب المقترفين السيئات في الاستغفار والتوبة ليغفر لهم فلا يقنطوا من رحمة الله.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤))
إضراب انتقالي عطفا على قوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشورى : ٢١] وهو الكلام المضرب عنه والمنتقل منه ، والمراد الانتقال إلى توبيخ