فظاهر ، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجبا للويل فذلك لأنه حمّل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام ، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة ، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشحّ بالمال وكفى بذلك تشويها في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم لأنهم يتعيرون باللؤم ، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه.
ويعلم من هذا أن مانع الزكاة من المسلمين له حظ من الويل الذي استحقه المشركون لمنعهم الزكاة في ضمن شركهم ، ولذلك رأى أبو بكر قتال مانعي الزكاة ممن لم يرتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة مع المرتدين ، ووافقه جميع أصحاب رسول صلىاللهعليهوسلم. ف (الزَّكاةَ) في الآية هي الصدقة لوقوعها مفعول (يُؤْتُونَ) ، ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكّاة ، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة ، ولبعض الصدقة ميقات وهي الصدقة قبل مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢].
وجملة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) إما حال من ضمير (يُؤْتُونَ) وإما معطوفة على الصلة. وضمير (هُمْ كافِرُونَ) ضمير فصل لا يفيد هنا إلا توكيد الحكم ويشبه أن يكون هنا توكيدا لفظيا لا ضمير فصل ومثله قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) في سورة يوسف [٣٧] ، وقوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) في سورة طه [١٤].
وتقديم (بِالْآخِرَةِ) على متعلقه وهو (كافِرُونَ) لإفادة الاهتمام.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨))
استئناف بياني نشأ عن الوعيد الذي توعّد به المشركون بعد أن أمروا بالاستقامة إلى الله واستغفاره عما فرط منهم ، كأنّ سائلا يقول : فإن اتعظوا وارتدعوا فما ذا يكون جزاؤهم ، فأفيد ذلك وهو أنهم حينئذ يكونون من زمرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، وفي هذا تنويه بشأن المؤمنين.
وتقديم (لَهُمْ) للاهتمام بهم.
والأجر : الجزاء النافع ، عن العمل الصالح ، أو هو ما يعطونه من نعيم الجنة.