(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) [يونس : ١٦] لأن ذلك لم يكن مسوقا لإبطال كلام صدر منهم.
وجملة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل لمجموع جملتي (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ) إلى قوله : (بِكَلِماتِهِ) ، أي لأنه لا يخفى عليه افتراء مفتر ولا صدق محقّ. و (ذات الصدور) : النوايا والمقاصد التي يضمرها الناس في عقولهم. والصدور : العقول ، أطلق عليها الصدور على الاستعمال العربي ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) في سورة الأنفال [٤٣].
[٢٥ ، ٢٦] (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦))
لما جرى وعيد الذين يحاجّون في الله لتأييد باطلهم من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [الشورى : ١٦]. ثم أتبع بوصف سوء حالهم يوم الجزاء بقوله : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) [الشورى : ٢٢] ، وقوبل بوصف نعيم الذين آمنوا بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) [الشورى : ٢٢] ، وكان ذلك مظنة أن يكسر نفوس أهل العناد والضلالة ، أعقب بإعلامهم أن الله من شأنه قبول توبة من يتوب من عباده ، وعفوه بذلك عما سلف من سيئاتهم.
وهذا الإخبار تعريض بالتحريض على مبادرة التوبة ولذلك جيء فيه بالفعل المضارع الصالح للاستقبال. وهو أيضا بشارة للمؤمنين بأنه قبل توبتهم مما كانوا فيه من الشرك والجاهلية فإن الذي من شأنه أن يقبل التوبة في المستقبل يكون قد قبل توبة التائبين من قبل ، بدلالة لحن الخطاب أو فحواه ، وأن من شأنه الاستجابة للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده. وكل ذلك جري على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب وعكسه. وهذا كله يتضمن وعدا للمؤمنين بقبول إيمانهم وللعصاة بقبول توبتهم.
فجملة : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) معطوفة على جملة (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [الشورى : ٢١] وما اتصل بها ممّا تقدم ذكره وخاصة جملة : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤].