وابتناء الإخبار بهذه الجملة على أسلوب الجملة الاسمية لإفادتها ثبات حكمها ودوامه. ومجيء المسند اسم موصول لإفادة اتصاف الله تعالى بمضمون صلته وأنها شأن من شئون الله تعالى عرف به ثابت له لا يتخلف لأنه المناسب لحكمته وعظمة شأنه وغناه عن خلقه. وإيثار جملة الصلة بصيغة المضارع لإفادة تجدد مضمونه وتكرره ليعلموا أن ذلك وعد لا يتخلف ولا يختلف.
وفعل (قبل) يتعدى ب (من) الابتدائية تارة كما في قوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) [التوبة : ٥٤] وقوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عمران : ٩١] ، فيفيد معنى الأخذ للشيء المقبول صادرا من المأخوذ منه ، ويعدّى ب (عَنْ) فيفيد معنى مجاوزة الشيء المقبول أو انفصاله عن معطيه وباذله ، وهو أشد مبالغة في معنى الفعل من تعديته بحرف (من) لأن فيه كناية عن احتباس الشيء المبذول عند المبذول إليه بحيث لا يردّ على باذله.
فحصلت في جملة (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) أربع مبالغات : بناء الجملة على الاسمية وعلى الموصولية وعلى المضارعية ، وعلى تعدية فعل الصلة ب (عَنْ) دون (من).
و (التَّوْبَةَ) : الإقلاع عن فعل المعصية امتثالا لطاعة الله ، وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) في سورة البقرة [٣٧]. وقبول التوبة منّة من الله تعالى لأنه لو شاء لما رضي عن الذي اقترف الجريمة ولكنه جعلها مقبولة لحكمته وفضله.
وفي ذكر اسم العباد دون نحو : الناس أو التائبين أو غير ذلك إيماء إلى أن الله رفيق بعباده لمقام العبودية فإن الخالق والصانع يحب صلاح مصنوعه.
والعفو : عدم مؤاخذة الجاني بجنايته. والسيئات : الجرائم لأنها سيئة عند الشرع. والعفو عن السيئات يكون بسبب التوبة بأن يعفو عن السيئات التي اقترفها العاصي قبل توبته ، ويكون بدون ذلك مثل العفو عن السيئات عقب الحج المبرور ، ومثل العفو عن السيئات لأجل الشهادة في سبيل الله ، ومثل العفو عن السيئات لكثرة الحسنات بأن يمحى عن العاصي من سيئاته ما يقابل مقدارا من حسناته على وجه يعلمه الله تعالى ، ومثل العفو عن الصغائر باجتناب الكبائر.