الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) [الشورى : ٢٢] توكيدا للوعيد وتحذيرا من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم.
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧))
عطف على جملة (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الشورى : ٢٦] أو على المجموع من جملة (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) [الشورى : ٢٦] ومن جملة (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
وموقع معناها موقع الاستدراك والاحتراس فإنها تشير إلى جواب عن سؤال مقدر في نفس السامع إذا سمع أن الله يستجيب للذين آمنوا وأنه يزيدهم من فضله أن يتساءل في نفسه : أن مما يسأل المؤمنون سعة الرّزق والبسطة فيه فقد كان المؤمنون أيام صدر الإسلام في حاجة وضيق رزق إذ منعهم المشركون أرزاقهم وقاطعوا معاملتهم ، فيجاب بأن الله لو بسط الرّزق للنّاس كلهم لكان بسطه مفسدا لهم لأن الذي يستغني يتطرقه نسيان الالتجاء إلى الله ، ويحمله على الاعتداء على الناس فكان من خير المؤمنين الآجل لهم أن لا يبسط لهم في الرّزق ، وكان ذلك منوطا بحكمة أرادها الله من تدبير هذا العالم تطّرد في الناس مؤمنهم وكافرهم قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ، ٧]. وقد كان في ذلك للمؤمن فائدة أخرى ، وهي أن لا يشغله غناه عن العمل الذي به يفوز في الآخرة فلا تشغله أمواله عنه ، وهذا الاعتبار هو الذي أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم حين قال للأنصار لما تعرّضوا له بعد صلاة الصبح وقد جاءه مال من البحرين «فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم».
وقد وردت هذه الآية موردا كليا لأن قوله (لِعِبادِهِ) يعم جميع العباد. ومن هذه الكلية تحصل فائدة المسئول عليه الجزئي الخاص بالمؤمنين مع إفادة الحكمة العامة من هذا النظام التكويني ، فكانت هذه الجملة بهذا الاعتبار بمنزلة التذييل لما فيها من العموم ، أي أن الله أسس نظام هذا العالم على قوانين عامة وليس من حكمته أن يخص أولياءه وحزبه بنظام تكويني دنيوي ولكنه خصهم بمعاني القرب والرضى والفوز في الحياة الأبدية. وربما خصّهم بما أراد تخصيصهم به مما يرجع إلى إقامة الحق.
والبغي : العدوان والظلم ، أي لبغى بعضهم على بعض لأن الغنى مظنة البطر والأشر