لأنه عطاء من رفيع الشأن ، فشبه بالنازل من علوّ وتكرر مثل هذا الإطلاق في القرآن.
والقدر بفتحتين : المقدار والتعيين.
ومعنى (ما يَشاءُ) أن مشيئته تعالى جارية على وفق علمه وعلى ما ييسّره له من ترتيب الأسباب على حسب مختلف صالح مخلوقاته وتعارض بعضها ببعض ، وكل ذلك تصرفات وتقديرات لا يحيط بها إلا علمه تعالى. وكلها تدخل تحت قوله (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) ، وهي جملة واقعة موقع التعليل للتي قبلها.
وافتتحت ب (إنّ) التي لم يرد منها تأكيد الخبر ولكنها لمجرد الاهتمام بالخبر والإيذان بالتعليل لأنّ (إنّ) في مثل هذا المقام تقوم مقام فاء التفريع وتفيد التعليل والربط ، فالجملة في تقدير المعطوفة بالفاء.
والجمع بين وصفي (خَبِيرٌ) و (بَصِيرٌ) لأن وصف (خَبِيرٌ) دال على العلم بمصالح العباد وأحوالهم قبل تقديرها وتقدير أسبابها ، أي العلم بما سيكون. ووصف (بَصِيرٌ) دالّ على العلم المتعلق بأحوالهم التي حصلت ، وفرق بين التعلقين للعلم الإلهي.
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨))
عطف على جملة (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) [الشورى : ٢٧] فإن الغيث سبب رزق عظيم وهو ما ينزله الله بقدر هو أعلم به ، وفيه تذكير بهذه النعمة العظيمة على الناس التي منها معظم رزقهم الحقيقي لهم ولأنعامهم. وخصها بالذكر دون غيرها من النعم الدنيوية لأنها نعمة لا يختلف الناس فيها لأنها أصل دوام الحياة بإيجاد الغذاء الصالح للناس والدواب ، وبهذا يظهر وقع قوله : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) [الشورى : ٢٩] عقب قوله هنا (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ).
واختيار المضارع في (يُنَزِّلُ) لإفادة تكرر التنزيل وتجديده. والتعبير بالماضي في قوله: (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) للإشارة إلى حصول القنوط وتقرره بمضي زمان عليه.
والغيث : المطر الآتي بعد الجفاف ، سمي غيثا بالمصدر لأن به غيث الناس المضطرين ، وتقدم عنه قوله (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) في سورة يوسف [٤٩].
والقنوط : اليأس ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) في سورة الحجر