(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) [الرحمن : ١٩] ثم قال : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] واللؤلؤ والمرجان يخرجان من أحد البحرين وهو البحر الملح لا من البحر العذب.
وجملة (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) ، معترضة في جملة الاعتراض لإدماج إمكان البعث في عرض الاستدلال على عظيم قدرة الله وعلى تفرده بالإلهية.
والمعنى : أن القادر على خلق السماوات والأرض وما فيهما عن عدم قادر على إعادة خلق بعض ما فيهما للبعث والجزاء لأن ذلك كله سواء في جواز تعلق القدرة به فكيف تعدّونه محالا. وضمير الجماعة في قوله : (جَمْعِهِمْ) عائد إلى ما بثّ فيهما من دابّة باعتبار أن الذي تتعلق الإرادة بجمعه في الحشر للجزاء هم العقلاء من الدوابّ أي الإنس. والمراد ب (جَمْعِهِمْ) حشرهم للجزاء ، قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [التغابن: ٩].
وقد ورد في أحاديث في «الصحيح» أن بعض الدواب تحشر للانتصاف ممن ظلمها. و (إِذا) ظرف للمستقبل وهو هنا مجرد عن تضمن الشرطية ، فالتقدير : حين يشاء في مستقبل الزمان ، وهو متعلق ب (جَمْعِهِمْ). وهذا الظرف إدماج ثان لإبطال استدلالهم بتأخر يوم البعث على أنه لا يقع كما حكي عنهم في قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) [الإسراء : ٥١] و (يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [سبأ : ٢٩ ، ٣٠].
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠))
لما تضمنت المنة بإنزال الغيث بعد القنوط أن القوم أصابهم جهد من القحط بلغ بهم مبلغ القنوط من الغيث أعقبت ذلك بتنبيههم إلى أن ما أصابهم من ذلك البؤس هو جزاء على ما اقترفوه من الشرك تنبيها يبعثهم ويبعث الأمة على أن يلاحظوا أحوالهم نحو امتثال رضى خالقهم ومحاسبة أنفسهم حتى لا يحسبوا أن الجزاء الذي أوعدوا به مقصور على الجزاء في الآخرة بل يعلموا أنه قد يصيبهم الله بما هو جزاء لهم في الدنيا ، ولما كان ما أصاب قريشا من القحط والجوع استجابة لدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم كما تقدم ، وكانت تلك الدعوة ناشئة على ما لاقوه به من الأذى ، لا جرم كان ما أصابهم مسبّبا على ما كسبت أيديهم.
فالجملة عطف على جملة (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) [الشورى : ٢٨] ،