اعلم أبا مسعود ، قال أبو مسعود : فالتفتّ فإذا هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود. فألقيت السوط من يدي ، فقال لي : إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام» رواه مسلم أواخر كتاب الإيمان. وتقدم معنى (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) في هذه السورة.
و (ما) نافية ، وهي معلّقة لفعل (يَعْلَمَ) عن نصب المفعولين.
والمحيص : مصدر ميمي من حاص ، إذا أخذ في الفرار ومال في سيره ، وفي حديث أبي سفيان في وصف مجلس هرقل «فحاصوا حيصة حمر الوحش وأغلقت الأبواب». والمعنى : ما لهم من فرار ومهرب من لقاء الله. والمراد : ما لهم من محيد ولا ملجأ. وتقدم في قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) في سورة النساء [١٢١].
(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦))
تفريع على جملة (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا) [الشورى : ٢٧] إلى آخرها ، فإنها اقتضت وجود منعم عليه ومحروم ، فذكّروا بأن ما أوتوه من رزق هو عرض زائل ، وأن الخير في الثواب الذي ادخره الله للمؤمنين ، مع المناسبة لما سبقه من قوله : (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٤] من سلامة الناس من كثير من أهوال الأسفار البحرية فإن تلك السلامة نعمة من نعم الدنيا ، ففرعت عليه الذكرى بأن تلك النعمة الدنيوية نعمة قصيرة الزمان صائرة إلى الزوال فلا يجعلها الموفّق غاية سعيه وليسع لعمل الآخرة الذي يأتي بالنعيم العظيم الدائم وهو النعيم الذي ادّخره الله عنده لعباده المؤمنين الصالحين.
والخطاب في قوله : (أُوتِيتُمْ) للمشركين جريا على نسق الخطاب السابق في قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [الشورى : ٣١] ، وينسحب الحكم على المؤمنين بلحن الخطاب ، ويجوز أن يكون الخطاب لجميع الأمة ، فالفاء الأولى للتفريع ، وما موصولة ضمنت معنى الشرط والفاء الثانية في قوله : (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) داخلة على خبر (ما) الموصولة لتضمنها معنى الشرط وإنما لم نجعل (ما) شرطية لأن المعنى على الإخبار لا على التعليق ، وإنما تضمن معنى الشرط وهو مجرد ملازمة الخبر لمدلول اسم الموصول كما تقدم نظيره آنفا في قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] في قراءة غير نافع وابن عامر.