لإفادة تقوّي الخبر ، أي لا ينبغي أن يترددوا في الانتصار لأنفسهم.
وأوثر الخبر الفعلي هنا دون أن يقال : منتصرون ، لإفادة معنى تجدد الانتصار كلما أصابهم البغي.
وأما مجيء الفعل مضارعا فلأن المضارع هو الذي يجيء معه ضمير الفصل.
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠))
هذه جمل ثلاث معترضة الواحدة تلو الأخرى بين جملة (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) [الشورى : ٣٩] إلخ وجملة (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) [الشورى : ٤١]. وفائدة هذا الاعتراض تحديد الانتصار والترغيب في العفو ثم ذم الظلم والاعتداء ، وهذا انتقال من الإذن في الانتصار من أعداء الدين إلى تحديد إجرائه بين الأمة بقرينة تفريع (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) على جملة (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) إذ سمى ترك الانتصار عفوا وإصلاحا ولا عفو ولا إصلاح مع أهل الشرك.
وبقرينة الوعد بأجر من الله على ذلك العفو ولا يكون على الإصلاح مع أهل الشرك أجر.
و (سَيِّئَةٍ) صفة لمحذوف ، أي فعلة تسوء من عومل بها. ووزن (سَيِّئَةٍ) فيعلة مبالغة في الوصف مثل : هيّنة ، فعينها ياء ولامها همزة ، لأنها من ساء ، فلما صيغ منها وزن فيعلة التقت ياءان فأدغمتا ، أي أن المجازئ يجازئ من فعل معه فعلة تسوءه بفعلة سيئة مثل فعلته في السوء ، وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله ، فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذى الذي يلحق بالظالم.
ومعنى (مِثْلُها) أنها تكون بمقدارها في متعارف الناس ، فقد تكون المماثلة في الغرض والصورة وهي المماثلة التامة وتلك حقيقة المماثلة مثل القصاص من القاتل ظلما بمثل ما قتل به ، ومن المعتدي بجراح عمد ، وقد تتعذر المماثلة التامة فيصار إلى المشابهة في الغرض ، أي مقدار الضرّ وتلك هي المقاربة مثل تعذر المشابهة التامة في جزاء الحروب مع عدوّ الدين إذ قد يلحق الضر بأشخاص لم يصيبوا أحدا بضرّ ويسلم أشخاص أصابوا الناس بضرّ ، فالمماثلة في الحرب هي انتقام جماعة من جماعة بمقدار ما يشفي