وجه الأول : أن لا يحلّ ما حرم الله فيكون كالتبديل لحكم الله.
ووجه الثاني : أنه حقه له أن يسقطه.
ووجه الثالث : أن الرجل إذا غلب على حقك فمن الرفق به أن تحلله ، وإن كان ظالما فمن الحق أن لا تتركه لئلا يغترّ الظّلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة.
وذكر حديث مسلم عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي لطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له أبي : أرى في وجهك سفعة من غضب فقال : أجل كان لي على فلان دين ، فأتيت أهله وقلت : أثمّ هو؟ قالوا : لا فخرج ابن له فقلت له : أين أبوك؟ فقال سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلت : اخرج إليّ ، فخرج. فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال : خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأنت صاحب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم. وكنت والله معسرا. قال : فأتى بصحيفته فمحاها بيده ، قال : إن وجدت قضاء فاقض وإلّا فأنت في حلّ.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١))
يجوز أن تكون عطفا على جملة (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) [الشورى : ٤٠] فيكون عذرا للذين لم يعفوا ، ويجوز أنها عطف على جملة (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى : ٣٩] وما بين ذلك اعتراض كما علمت ، فالجملة : إمّا مرتبطة بغرض انتصار المسلم على ظالمه من المسلمين تكملة لجملة (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : ٤٠] ، وإمّا مرتبطة بغرض انتصار المؤمنين من بغي المشركين عليهم ، وهو الانتصار بالدفاع سواء كان دفاع جماعات وهو الحرب فيكون هذا تمهيدا للإذن بالقتال الذي شرع من بعد ، أم دفاع الآحاد أن تمكنوا منه فقد صار المسلمون بمكة يومئذ ذوي قوة يستطيعون بها الدفع عن أنفسهم آحادا كما قيل في عزّ الإسلام عمر بن الخطاب.
واللام في (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) موطئة للقسم ، و (من) شرطية ، أو اللام لام ابتداء و (من) موصولة. وإضافة (ظُلْمِهِ) من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي بعد كونه مظلوما.
ومعنى (بَعْدَ ظُلْمِهِ) التنبيه على أن هذا الانتصار بعد أن تحقق أنهم ظلموا : فإمّا في غير الحروب فمن يتوقع أن أحدا سيعتدي عليه ليس له أن يبادر أحدا بأذى قبل أن يشرع في الاعتداء عليه ويقول : ظننت أنه يعتدي عليّ فبادرته بالأذى اتقاء لاعتدائه