تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) [الأعراف : ٨٥] ، فكل فساد وظلم يقع في جزء من الأرض فهو بغي مظروف في الأرض.
و (بِغَيْرِ الْحَقِ) متعلق ب (يَبْغُونَ) وهو لكشف حالة البغي لإفادة مذمته إذ لا يكون البغي إلّا بغير الحق فإن مسمى البغي هو الاعتداء على الحق ، وأما الاعتداء على المبطل لأجل باطله فلا يسمى بغيا ويسمّى اعتداء قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] ، ويقال : استعدى فلان الحاكم على خصمه ، أي طلب منه الحكم عليه.
وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بيان جملة (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ) إن أريد ب (السَّبِيلُ) في قوله : (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١] سبيل العقاب في الآخرة ، أو بدل اشتمال منها إن أريد ب (السَّبِيلُ) هنالك ما يشمل الملام في الدنيا ، أي السبيل الذي عليهم هو أن لهم عذابا أليما جزاء ظلمهم وبغيهم.
وحكم هذه الآية يشمل ظلم المشركين للمسلمين ويشمل ظلم المسلمين بعضهم بعضا ليتناسب مضمونها مع جميع ما سبق.
وجيء باسم الإشارة للتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر قبله مع تمييزهم أكمل تمييز بهذا الوعيد.
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣))
عطف على جملة (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى: ٤١] ، وموقع هذه الجملة موقع الاعتراض بين جملة (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) [الشورى : ٤٢] وجملة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) [الشورى : ٤٤].
وهذ الجملة تفيد بيان مزية المؤمنين الذي تحملوا الأذى من المشركين وصبروا عليه ولم يؤاخذوا به من آمن ممن آذوهم مثل أخت عمر بن الخطاب قبل إسلامه ، ومثل صهره سعيد بن زيد فقد قال «لقد رأيتني وأن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر» ، فكان في صبر سعيد خير دخل به عمر في الإسلام ، ومزية المؤمنين الذين يصبرون على ظلم إخوانهم ويغفرون لهم فلا ينتصفون منهم ولا يستعدون عليهم على نحو ما تقدم في مسألة التحلل عند قوله تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : ٤٠].
واللام الداخلة على (من) لام ابتداء و (من) موصولة. وجملة (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ