و (مِنَ) للتعليل ، أي خاشعين خشوعا ناشئا عن الذل ، أي ليس خشوعهم لتعظيم الله والاعتراف له بالعبودية لأن ذلك الاعتقاد لم يكن من شأنهم في الدنيا.
وجملة (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) في موضع الحال من ضمير (خاشِعِينَ) لأن النظر من طرف خفيّ حالة للخاشع الذليل ، والمقصود من ذكرها تصوير حالتهم الفظيعة. وفي قريب من هذا المعنى قول النابغة يصف سبايا :
ينظرن شزرا إلى من جاء عن عرض |
|
بأوجه منكرات الرقّ أحرار |
وقول جرير :
فغضّ الطرف إنك من نمير |
|
فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
والطرف : أصله مصدر ، وهو تحريك جفن العين ، يقال : طرف من باب ضرب ، أي حرّك جفنه ، وقد يطلق على العين من تسمية الشيء بفعله ، ولذلك لا يثنّى ولا يجمع قال تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) [إبراهيم : ٤٣]. ووصفه في هذه الآية ب (خَفِيٍ) يقتضي أنه أريد به حركة العين ، أي ينظرون نظرا خفيّا ، أي لا حدّة له فهو كمسارقة النظر ، وذلك من هول ما يرونه من العذاب ، فهم يحجمون عن مشاهدته للروع الذي يصيبهم منها ، ويبعثهم ما في الإنسان من حب الاطلاع على أن يتطلعوا لما يساقون إليه كحال الهارب الخائف ممن يتبعه ، فتراه يمعن في الجري ويلتفت وراءه الفينة بعد الفينة لينظر هل اقترب منه الذي يجري وراءه وهو في تلك الالتفاتة أفات خطوات من جريه لكن حب الاطلاع يغالبه.
و (مِنَ) في قوله : (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) للابتداء المجازي. والمعنى : ينظرون نظرا منبعثا من حركة الجفن الخفيّة. وحذف مفعول (يَنْظُرُونَ) للتعميم أي ينظرون العذاب ، وينظرون أهوال الحشر وينظرون نعيم المؤمنين من طرف خفيّ.
(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ).
يترجح أن الواو للحال لا للعطف ، والجملة حال من ضمير الغيبة في (تَراهُمْ) ، أي تراهم في حال الفظاعة الملتبسين بها ، وتراهم في حال سماع الكلام الذامّ لهم الصادر من المؤمنين إليهم في ذلك المشهد. وحذفت (قد) مع الفعل الماضي لظهور قرينة الحال.
وهذا قول المؤمنين يوم القيامة إذ كانوا يومئذ مطمئنين من الأهوال شاكرين ما سبق