والانحياز إلى الشيء ، فالملجأ : المكان الذي يصير إليه المرء للتوقّي فيه ، ويطلق مجازا على الناصر ، وهو المراد هنا ، أي ما لكم من شيء يقيكم من العذاب.
والنكير : اسم مصدر أنكر ، أي ما لكم إنكار لما جوزيتم به ، أي لا يسعكم إلّا الاعتراف دون تنصل.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨))
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ).
الفاء للتفريع على قوله : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) [الشورى : ٤٧] الآية ، وهو جامع لما تقدم كما علمت إذ أمر الله نبيئه بدعوتهم للإيمان من قوله في أول السورة (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الشورى : ٧] ثم قوله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) [الشورى : ١٥]. وما تخلل ذلك واعترضه من تضاعيف الأمر الصريح والضمني إلى قوله : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) [الشورى : ٤٧] الآية ، ثم فرّع على ذلك كله إعلام الرسول صلىاللهعليهوسلم بمقامه وعمله إن أعرض معرضون من الذين يدعوهم وبمعذرته فيما قام به وأنه غير مقصر ، وهو تعريض بتسليته على ما لاقاه منهم ، والمعنى : فإن أعرضوا بعد هذا كله فما أرسلناك حفيظا عليهم ومتكفلا بهم إذ ما عليك إلا البلاغ.
وإذ قد كان ما سبق من الأمر بالتبليغ والدعوة مصدّرا بقوله أوائل السورة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الشورى : ٦] ، لا جرم ناسب أن يفرع على تلك الأوامر بعد تمامها مثل ما قدم لها فقال : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ). وهذا الارتباط هو نكتة الالتفات من الخطاب الذي في قوله : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) [الشورى : ٤٧] الآية ، إلى الغيبة في قوله هنا (فَإِنْ أَعْرَضُوا) وإلا لقيل : فإن أعرضتم.
والحفيظ تقدم في صدر السورة وقوله : (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ليس هو جواب الشرط في المعنى ولكنه دليل عليه ، وقائم مقامه ، إذ المعنى : فإن أعرضوا فلست مقصرا في دعوتهم ، ولا عليك تبعة صدّهم إذ ما أرسلناك حفيظا عليهم ، بقرينة قوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ). وجملة (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) بيان لجملة (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ