حَفِيظاً) باعتبار أنها دالّة على جواب الشرط المقدّر.
و (إِنْ) الثانية نافية. والجمع بينها وبين (إِنْ) الشرطية في هذه الجملة جناس تام.
و (الْبَلاغُ) : التبليغ ، وهو اسم مصدر ، وقد فهم من الكلام أنه قد أدى ما عليه من البلاغ لأن قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) دلّ على نفي التبعة عن النبيصلىاللهعليهوسلم من إعراضهم ، وأن الإعراض هو الإعراض عن دعوته ، فاستفيد أنه قد بلّغ الدعوة ولو لا ذلك ما أثبت لهم الإعراض.
(وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ).
تتصل هذه الجملة بقوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ). لما تضمنته هذه من التعريض بتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما لاقاه من قومه كما علمت ، ويؤذن بهذا الاتصال أن هاتين الجملتين جعلتا آية واحدة هي ثامنة وأربعون في هذه السورة ، فالمعنى : لا يحزنك إعراضهم عن دعوتك فقد أعرضوا عن نعمتي وعن إنذاري بزيادة الكفر ، فالجملة معطوفة على جملة (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) وابتداء الكلام بضمير الجلالة المنفصل مسندا إليه فعل دون أن يقال : وإذا أذقنا الإنسان إلخ ، مع أن المقصود وصف هذا الإنسان بالبطر بالنعمة وبالكفر عند الشدة ، لأن المقصود من موقع هذه الجملة هنا تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عن جفاء قومه وإعراضهم ، فالمعنى : أن معاملتهم ربهم هذه المعاملة تسلّيك عن معاملتهم إياك على نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣] ، ولهذا لا تجد نظائر هذه الجملة في معناها مفتتحا بمثل هذا الضمير لأن موقع تلك النظائر لا تماثل موقع هذه وإن كان معناهما متماثلا ، فهذه الخصوصية خاصة بهذه الجملة. ولكن نظم هذه الآية جاء صالحا لإفادة هذا المعنى ولإفادة معنى آخر مقارب له وهو أن يكون هذا حكاية خلق للناس كلهم مرتكز في الجبلة لكن مظاهره متفاوتة بتفاوت أفراده في التخلق بالآداب الدينية ، فيحمل (الْإِنْسانَ) في الموضعين على جنس بني آدم ويحمل الفرح على مطلقه المقول عليه بالتشكيك حتى يبلغ مبلغ البطر ، وتحمل السيئة التي قدمتها أيديهم على مراتب السيئات إلى أن تبلغ مبلغ الإشراك ، ويحمل وصف (كَفُورٌ) على ما يشمل اشتقاقه من الكفر بتوحيد الله ، والكفر بنعمة الله.
ولهذا اختلفت محامل المفسرين للآية. فمنهم من حملها على خصوص الإنسان