[٤٩ ، ٥٠] (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
استئناف بياني لأن ما سبقه من عجيب خلق الإنسان الذي لم يهذّبه الهدي الإلهي يثير في نفس السامع سؤالا عن فطر الإنسان على هاذين الخلقين اللذين يتلقى بهما نعمة ربه وبلاءه وكيف لم يفطر على الخلق الأكمل ليتلقى النعمة بالشكر ، والضرّ بالصبر والضراعة ، وسؤالا أيضا عن سبب إذاقة الإنسان النعمة مرة والبؤس مرّة فيبطر ويكفر وكيف لم يجعل حاله كفافا لا لذّات له ولا بلايا كحال العجماوات فكان جوابه : أن الله المتصرف في السماوات والأرض يخلق فيهما ما يشاء من الذوات وأحوالها. وهو جواب إجمالي إقناعي يناسب حضرة الترفع عن الدخول في المجادلة عن الشئون الإلهية.
وفي قوله : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من الإجمال ما يبعث المتأمل المنصف على تطلب الحكمة في ذلك فإن تطلّبها انقادت له كما أومأ إلى ذلك تذييل هذه الجملة بقوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) ، فكأنه يقول : عليكم بالنظر في الحكمة في مراتب الكائنات وتصرف مبدعها ، فكما خلق الملائكة على أكمل الأخلاق في جميع الأحوال ، وفطر الدواب على حد لا يقبل كمال الخلق ، كذلك خلق الإنسان على أساس الخير والشر وجعله قابلا للزيادة منهما على اختلاف مراتب عقول أفراده وما يحيط بها من الاقتداء والتقليد ، وخلقه كامل التمييز بين النعمة وضدها ليرتفع درجات وينحط دركات مما يختاره لنفسه ، ولا يلائم فطر الإنسان على فطرة الملائكة حالة عالمه الماديّ إذ لا تأهل لهذا العالم لأن يكون سكانه كالملائكة لعدم الملاءمة بين عالم المادة وعالم الروح. ولذلك لما تم خلق الفرد الأول من الإنسان وآن أوان تصرفه مع قرينته بحسب ما بزغ فيهما من القوى ، لم يلبث أن نقل من عالم الملائكة إلى عالم المادة كما أشار إليه قوله تعالى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) [طه : ١٢٣].
ولكن الله لم يسدّ على النوع منافذ الكمال فخلقه خلقا وسطا بين الملكيّة والبهيمية إذ ركبه من المادة وأودع فيه الروح ولم يخلّه عن الإرشاد بواسطة وسطاء وتعاقبهم في العصور وتناقل إرشادهم بين الأجيال ، فإن اتبع إرشادهم التحق بأخلاق الملائكة حتى يبلغ