والعقيم : الذي لا يولد له من رجل أو امرأة ، وفعله عقم من باب فرح وعقم من باب كرم. وأصل فعله أن يتعدّى إلى المفعول يقال عقمها الله من باب ضرب ، ويقال عقمت المرأة بالبناء للمجهول ، أي عقمها عاقم لأن سبب العقم مجهول عندهم. فهو مما جاء متعديا وقاصرا ، فالقاصر بضم القاف وكسرها والمتعدي بفتحها ، والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، فلذلك استوى فيه المذكر والمؤنث غالبا ، وربما ظهرت التاء نادرا قالوا : رحم عقيمة.
(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
جملة في موضع العلة للمبدل منه وهو (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فموقع (إنّ) هنا موقع فاء التفريع. والمعنى : أن خلقه ما يشاء ليس خلقا مهملا عريا عن الحكمة لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. وهو (قَدِيرٌ) نافذ القدرة ، فإذا علم الحكمة في خلق شيء أراده ، فجرى على قدره. ولمّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن.
وتفصيل المعنى : أنه عليم بالأسباب والقوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم ، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض ، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قدّر لها من الأوضاع ، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد ، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثرات أخرى ، وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه.
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١))
عطف على ما سبق من حكاية ترّهاتهم عطف القصة على القصة وهو عود إلى إبطال شبه المشركين التي أشار إليها قوله تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الشورى : ٣] ، وقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) [الشورى : ١٣] ، وقد أشرنا إلى تفصيل ذلك فيما تقدم ، ويزيده وضوحا قوله عقبه (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]. وهذه الآية تبطل الشبهة الثانية فيما عددناه من شبهاتهم في كون القرآن وحيا من الله إلى محمدصلىاللهعليهوسلم إذ زعموا أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لو كان