والاستواء : القصد إلى الشيء توّا لا يعترضه شيء آخر. وهو تمثيل لتعلق إرادة الله تعالى بإيجاد السماوات ، وقد تقدم في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) في سورة البقرة [٢٩]. وربما كان في قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) إشارة إلى أنه تعالى توجهت إرادته لخلق السماوات والأرض توجها واحدا ثم اختلف زمن الإرادة التنجيزي بتحقيق ذلك فتعلقت إرادته تنجيزا بخلق السماء ثم بخلق الأرض ، فعبر عن تعلق الإرادة تنجيزا لخلق السماء بتوجه الإرادة إلى السماء ، وذلك التوجه عبر عنه بالاستواء. ويدل لذلك قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ففعل (ائْتِيا) أمر للتكوين.
والدخان : ما يتصاعد من الوقود عند التهاب النار فيه. وقوله : (وَهِيَ دُخانٌ) تشبيه بليغ ، أي وهي مثل الدخان ، وقد ورد في الحديث : «أنها كانت عماء».
وقيل : أراد بالدخان هنا شيئا مظلما ، وهو الموافق لما في «سفر التكوين» من قولها : «وعلى وجه الغمر ظلمة» وهو بعيد عن قول النبي صلىاللهعليهوسلم أنه لم يكن في الوجود من الحوادث إلا العماء ، والعماء : سحاب رقيق ، أي رطوبة دقيقة وهو تقريب للعنصر الأصلي الذي خلق الله منه الموجودات ، وهو الذي يناسب كون السماء مخلوقة قبل الأرض. ومعنى : (وَهِيَ دُخانٌ) أن أصل السماء هو ذلك الكائن المشبه بالدخان ، أي أن السماء كونت من ذلك الدخان كما تقول : عمدت إلى هاته النخلة ، وهي نواة ، فاخترت لها أخصب تربة ، فتكون مادة السماء موجودة قبل وجود الأرض.
وقوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) تفريع على فعل (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) فيكون القول موجها إلى السماء والأرض حينئذ ، أي قبل خلق السماء لا محالة وقبل خلق الأرض ، لأنه جعل القول لها مقارنا القول للسماء ، وهو قول تكوين. أي تعلّق القدرة بالسماء والأرض ، أي بمادة تكوينهما وهي الدخان لأن السماء تكونت من العماء بجمود شيء منه سمي جلدا فكانت منه السماء وتكوّن مع السماء الماء وتكونت الأرض بيبس ظهر في ذلك الماء كما جاء الإصحاح الأول من «سفر التكوين» من التوراة.
والإتيان في قوله : (ائْتِيا) أصله : المجيء والإقبال ولما كان معناه الحقيقي غير مراد لأن السماء والأرض لا يتصور أن يأتيا ، ولا يتصور منهما طواعية أو كراهية إذ ليستا من أهل العقول والإدراكات ، ولا يتصور أن الله يكرههما على ذلك لأنه يقتضي خروجهما عن قدرته بادئ ذي بدء تعين الصرف عن المعنى الحقيقي وذلك بأحد وجهين لهما من