فعصمني الله منهما ثم لم أعد». وعلى شدة منازعة قريش إياه في أمر التوحيد فإنهم لم يحاجّوه بأنه كان يعبد الأصنام معهم. وفي هذه الآية حجة للقائلين بأن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لم يكن متعبدا قبل نبوءته بشرع.
وإدخال (لَا) النافية في قوله : (وَلَا الْإِيمانُ) تأكيد لنفي درايته إيّاه ، أي ما كنت تدري الكتاب ولا الإيمان ، للتنصيص على أن المنفي دراية كل واحد منهما.
وقوله : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) عطف على جملة (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ). وضمير (جَعَلْناهُ) عائد إلى الكتاب في قوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ). والتقدير: وجعلنا الكتاب نورا. وأقحم في الجملة المعطوفة حرف الاستدراك للتنبيه على أن مضمون هذه الجملة عكس مضمون جملة (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ).
والاستدراك ناشئ على ما تضمنته جملة (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) لأن ظاهر نفي دراية الكتاب أن انتفاءها مستمر فاستدرك بأن الله هداه بالكتاب وهدى به أمته ، فالاستدراك واقع في المحزّ. والتقدير : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ثم هديناك بالكتاب ابتداء وعرفناك به الإيمان وهديت به النّاس ثانيا فاهتدى به من شئنا هدايته ، أي وبقي على الضلال من لم نشأ له الاهتداء ، كقوله تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦].
وشبه الكتاب بالنّور لمناسبة الهدي به لأن الإيمان والهدى والعلم تشبّه بالنور ، والضلال والجهل والكفر تشبه بالظلمة ، قال تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧]. وإذا كان السائر في الطريق في ظلمة ضل عن الطريق فإذا استنار له اهتدى إلى الطريق ، فالنّور وسيلة الاهتداء ولكن إنما يهتدي به من لا يكون له حائل دون الاهتداء وإلا لم تنفعه وسيلة الاهتداء ولذلك قال تعالى : (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) ، أي نخلق بسببه الهداية في نفوس الذين أعددناهم للهدى من عبادنا. فالهداية هنا هداية خاصة وهي خلق الإيمان في القلب.
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
أي نهدي به من نشاء بدعوتك وواسطتك فلما أثبت الهدي إلى الله وجعل الكتاب سببا لتحصيل الهداية عطف عليه وساطة الرّسول في إيصال ذلك الهدي تنويها بشأن الرّسولصلىاللهعليهوسلم.