وإذ قد كان باعثهم على الطعن في القرآن تعلقهم بعبادة الأصنام التي نهاهم القرآن عنها كان من أهم أغراض السورة ، التعجيب من حالهم إذ جمعوا بين الاعتراف بأن الله خالقهم والمنعم عليهم وخالق المخلوقات كلّها وبين اتخاذهم آلهة يعبدونها شركاء لله ، حتى إذا انتقض أساس عنادهم اتضح لهم ولغيرهم باطلهم. وجعلوا بنات لله مع اعتقادهم أن البنات أحطّ قدرا من الذكور فجمعوا بذلك بين الإشراك والتنقيص. وإبطال عبادة كل ما دون الله على تفاوت درجات المعبودين في الشرف فإنهم سواء في عدم الإلهيّة للألوهية ولبنوة الله تعالى. وعرّج على إبطال حججهم ومعاذيرهم ، وسفّه تخييلاتهم وترّهاتهم. وذكرهم بأحوال الأمم السابقين مع رسلهم ، وأنذرهم بمثل عواقبهم ، وحذّرهم من الاغترار بإمهال الله وخص بالذكر رسالة إبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام. وخص إبراهيم بأنه جعل كلمة التوحيد باقية في جمع من عقبه وتوعد المشركين وأنذرهم بعذاب الآخرة بعد البعث الذي كان إنكارهم وقوعه من مغذيات كفرهم وإعراضهم لاعتقادهم أنّهم في مأمن بعد الموت.
وقد رتبت هذه الأغراض وتفاريعها على نسج بديع وأسلوب رائع في التقديم والتأخير والأصالة والاستطراد على حسب دواعي المناسبات التي اقتضتها البلاغة ، وتجديد نشاط السامع لقبول ما يلقى إليه. وتخلّل في خلاله من الحجج والأمثال والمثل والقوارع والترغيب والترهيب شيء عجيب ، مع دحض شبه المعاندين بأفانين الإقناع بانحطاط ملّة كفرهم وعسف معوّج سلوكهم. وأدمج في خلال ذلك ما في دلائل الوحدانية من النعم على النّاس والإنذار والتبشير.
وقد جرت آيات هذه السورة على أسلوب نسبة الكلام إلى الله تعالى عدا ما قامت القرينة على الإسناد إلى غيره.
(حم (١))
تقدم القول في نظائره ومواقعها قبل ذكر القرآن وتنزيله.
[٢ ، ٣] (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣))
أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن على أن القرآن جعله الله عربيا واضح الدلالة فهو حقيق بأن يصدّقوا به لو كانوا غير مكابرين ، ولكنّهم بمكابرتهم كانوا كمن لا يعقلون.