لما كانت فائدة للإخبار بأنه مقروء لأن كل كتاب صالح لأن يقرأ. والإخبار عن الكتاب بأنه قرآن مبالغة في كون هذا الكتاب مقروءا ، أي ميسّرا لأن يقرأ لقوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ١٧] وقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧]. وقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
فحصل بهذا الوصف أن الكتاب المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم جامع لوصفين : كونه كتابا ، وكونه مقروءا على ألسنة الأمة. وهذا مما اختص به كتاب الإسلام. و (عَرَبِيًّا) نسبة إلى العرب ، وإذ قد كان المنسوب كتابا ومقروءا فقد اقتضى أن نسبته إلى العرب نسبة الكلام واللّغة إلى أهلها ، أي هو مما ينطق العرب بمثل ألفاظه ، وبأنواع تراكيبه.
وانتصب (قُرْآناً) على الحال من مفعول (جَعَلْناهُ).
ومعنى جعله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) تكوينه على ما كونت عليه لغة العرب ، وأن الله بباهر حكمته جعل هذا الكتاب قرآنا بلغة العرب لأنها أشرف اللّغات وأوسعها دلالة على عديد المعاني ، وأنزله بين أهل تلك اللّغة لأنهم أفهم لدقائقها ، ولذلك اصطفى رسوله من أهل تلك اللّغة لتتظاهر وسائل الدلالة والفهم فيكونوا المبلغين مراد الله إلى الأمم. وإذا كان هذا القرآن بهاته المثابة فلا يأبى من قبوله إلا قوم مسرفون في الباطل بعداء عن الإنصاف والرشد ، ولكن الله أراد هديهم فلا يقطع عنهم ذكره حتى يتمّ مراده ويكمل انتشار دينه فعليهم أن يراجعوا عقولهم ويتدبروا إخلاصهم فإن الله غير مؤاخذهم بما سلف من إسرافهم إن هم ثابوا إلى رشدهم.
والمقصود بوصف الكتاب بأنه عربي غرضان : أحدهما التنويه بالقرآن ، ومدحه بأنه منسوج على منوال أفصح لغة ، وثانيهما التورّك على المعاندين من العرب حين لم يتأثروا بمعانيه بأنهم كمن يسمع كلاما بلغة غير لغته ، وهذا تأكيد لما تضمنه الحرفان المقطعان المفتتحة بهما السورة من معنى التحدّي بأن هذا كتاب بلغتكم وقد عجزتم عن الإتيان بمثله.
وحرف (لعلّ) مستعار لمعنى الإرادة وتقدم نظيره في قوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) في أوائل سورة البقرة [٧٣].
والعقل الفهم. والغرض : التعريض بأنهم أهملوا التدبر في هذا الكتاب وأن كماله في البيان والإفصاح نستأهل العناية به لا الإعراض عنه فقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) مشعر