بأنهم لم يعقلوا.
والمعنى : أنّا يسرنا فهمه عليكم لعلكم تعقلون فأعرضتم ولم تعقلوا معانيه ، لأنه قد نزل مقدار عظيم لو تدبروه لعقلوا ، فهذا الخبر مستعمل في التعريض على طريقة الكناية.
(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤))
عطف على جملة (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] ، فهو زيادة في الثناء على هذا الكتاب ثناء ثانيا للتنويه بشأنه رفعة وإرشادا.
و (أُمِّ الْكِتابِ) : أصل الكتاب. والمراد ب (أُمِّ الْكِتابِ) علم الله تعالى كما في قوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) في سورة الرعد [٣٩] ، لأن الأمّ بمعنى الأصل والكتاب هنا بمعنى المكتوب ، أي المحقق الموثق وهذا كناية عن الحق الذي لا يقبل التغيير لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يحققوا عهدا على طول مدة كتبوه في صحيفة ، قال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل ين |
|
قض ما في المهارق الأهواء |
وعلي أصله المرتفع ، وهو هنا مستعار لشرف الصفة وهي استعارة شائعة.
و (حَكِيمٌ) : أصله الذي الحكمة من صفات رأيه ، فهو هنا مجاز لما يحوي الحكمة بما فيه من صلاح أحوال النفوس والقوانين المقيّمة لنظام الأمة.
ومعنى كون ذلك في علم الله : أن الله علمه كذلك وما علمه الله لا يقبل الشك. ومعناه : أن ما اشتمل عليه القرآن من المعاني هو من مراد الله وصدر عن علمه. ويجوز أيضا أن يفيد هذا شهادة بعلوّ القرآن وحكمته على حد قولهم في اليمين : الله يعلم ، وعلم الله.
وتأكيد الكلام ب (إنّ) لردّ إنكار المخاطبين إذ كذّبوا أن يكون القرآن موحى به من الله.
و (لَدَيْنا) ظرف مستقر هو حال من ضمير (إِنَّهُ) أو من (أُمِّ الْكِتابِ) والمقصود : زيادة تحقيق الخبر وتشريف المخبر عنه. وقرأ الجمهور في (أُمِّ الْكِتابِ) بضمّ همزة (أُمِ). وقرأه حمزة والكسائي بكسر همزة (أُمِّ الْكِتابِ) في الوصل اتباعا لكسرة (فِي) ، فلو وقف على (فِي) لم يكسر الهمزة.