(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥))
الفاء لتفريع الاستفهام الإنكاري على جملة (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف : ٣] ، أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن. فلما أريدت إعادة تذكيرهم وكانوا قد قدم إليهم من التذكير ما فيه هديهم لو تأملوا وتدبروا ، وكانت إعادة التذكير لهم موسومة في نظرهم بقلة الجدوى بيّن لهم أن استمرار إعراضهم لا يكون سببا في قطع الإرشاد عنهم لأن الله رحيم بهم مريد لصلاحهم لا يصده إسرافهم في الإنكار عن زيادة التقدم إليهم بالمواعظ والهدي.
والاستفهام إنكاري ، أي لا يجوز أن نضرب عنكم الذكر صفحا من جراء إسرافكم.
والضرب حقيقته قرع جسم بآخر ، وله إطلاقات أشهرها : قرع البعير بعصا ، وهو هنا مستعار لمعنى القطع والصرف أخذا من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض ، أي أطردها وصرفها لأنها ليست لأهل الماء ، فاستعاروا الضرب للصرف والطرد ، وقال طرفة :
أضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسّيف قونس الفرس (١) |
والذكر : التذكير ، والمراد به القرآن.
والصّفح : الإعراض بصفح الوجه وهو جانبه وهو أشد الإعراض عن الكلام لأنه يجمع ترك استماعه وترك النظر إلى المتكلم.
وانتصب (صَفْحاً) على النيابة عن الظرف ، أي في مكان صفح ، كما يقال : ضعه جانبا ، ويجوز أن يكون (صَفْحاً) مصدر صفح عن كذا ، إذا أعرض ، فينتصب على المفعول المطلق لبيان نوع الضرب بمعنى الصرف والإعراض.
والإسراف : الإفراط والإكثار ، وأغلب إطلاقه على الإكثار من الفعل الضائر. ولذلك قيل «لا سرف في الخير» والمقام دال على أنّهم أسرفوا في الإعراض عن القرآن.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف إن كنتم بكسر همزة إن فتكون
__________________
(١) (اضرب) فعل أمر فهمزته همزة وصل مكسورة. وجاء به مفتوح الآخر على تقدير نون التوكيد ضرورة ، و (طارقها) بدل من (الهموم) أي التي تحدث لك في الليل ، و (القونس) عظم ناتئ بين أذني الفرس إذا ضرب بالسيف في الحرب هلك الفرس ، أراد : اضرب الهموم ضربا قاطعا.