إن شرطية ، ولما كان الغالب في استعمال إن الشرطية أن تقع في الشرط الذي ليس متوقعا وقوعه بخلاف (إذا) التي هي للشرط المتيقن وقوعه ، فالإتيان بإن في قوله : إن كنتم قوما مسرفين لقصد تنزيل المخاطبين المعلوم إسرافهم منزلة من يشك في إسرافه لأن توفر الأدلّة على صدق القرآن من شأنه أن يزيل إسرافهم وفي هذا ثقة بحقّيّة القرآن وضرب من التوبيخ على إمعانهم في الإعراض عنه. وقرأه ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بفتح الهمزة على جعل (إِنَ) مصدرية وتقدير لام التعليل محذوفا ، أي لأجل إسرافكم ، أي لا نترك تذكيركم بسبب كونكم مسرفين بل لا نزال نعيد التذكير رحمة بكم.
وإقحام (قَوْماً) قبل (مُسْرِفِينَ) للدلالة على أن هذا الإسراف صار طبعا لهم وبه قوام قوميتهم ، كما قدمناه عند قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
[٦ ـ ٨] (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨))
لما ذكر إسرافهم في الإعراض عن الإصغاء لدعوة القرآن وأعقبه بكلام موجه إلى الرّسول صلىاللهعليهوسلم تسلية عما يلاقيه منهم في خلال الإعراض من الأذى والاستهزاء بتذكيره بأن حاله في ذلك حال الرّسل من قبله وسنة الله في الأمم ، ووعد للرّسول صلىاللهعليهوسلم بالنصر على قومه بتذكيره بسنة الله في الأمم المكذّبة رسلهم. وجعل للتسلية المقام الأول من هذا الكلام بقرينة العدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة في قوله : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ) كما سيأتي ، ويتضمن ذلك تعريضا بزجرهم عن إسرافهم في الإعراض عن النظر في القرآن.
فجملة (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ) نبيء معطوفة على جملة (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] وما بعدها إلى هنا عطف القصة على القصة.
و (كَمْ) اسم دال على عدد كثير مبهم ، وموقع (كَمْ) نصب بالمفعولية ل (أَرْسَلْنا) ، وهو ملتزم تقديمه لأن أصله اسم استفهام فنقل من الاستفهام إلى الإخبار على سبيل الكناية.
وشاع استعماله في ذلك حتى صار الإخبار بالكثرة معنى من معاني (كَمْ). والداعي