تكون حقائق وإنما المجاز في التركيب على ما هو معلوم من الفرق بين المجاز المفرد والمجاز المركب في فن البيان.
وإنما جاء قوله : (طائِعِينَ) بصيغة الجمع لأن لفظ السماء يشتمل على سبع سماوات كما قال تعالى إثر هذا (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت : ١٢] فالامتثال صادر عن جمع ، وأما كونه بصيغة جمع المذكر فلأنّ السماء والأرض ليس لهما تأنيث حقيقي.
وأما كونه بصيغة جمع العقلاء فذلك ترشيح للمكنية المتقدمة مثل قوله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤].
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢))
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
تفريع على قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) [فصلت : ١١].
والقضاء : الإيجاد الإبداعي لأن فيه معنى الإتمام والحكم ، فهو يقتضي الابتكار والإسراع ، كقول أبي ذؤيب الهذلي :
وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داود أو صنع السوابغ تبّع |
وضمير (فَقَضاهُنَ) عائد إلى السماوات على اعتبار تأنيث لفظها ، وهذا تفنن. وانتصب (سَبْعَ سَماواتٍ) على أنه حال من ضمير «قضاهن» أو عطف بيان له ، وجوّز أن يكون مفعولا ثانيا ل «قضاهن» لتضمين «قضاهن» معنى صيرهن ، وهذا كقوله في سورة البقرة [٢٩] (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ).
وكان خلق السماوات في يومين قبل أربعة الأيام التي خلقت فيها الأرض وما فيها. وقد بيّنّا في سورة البقرة أن الأظهر أن خلق السماء كان قبل خلق الأرض وهو المناسب لقواعد علم الهيئة. وليس في هذه الآية ما يقتضي ذلك. وإنما كانت مدة خلق السماوات السبع أقصر من مدة خلق الأرض مع أن عوالم السماوات أعظم وأكثر لأن الله خلق السماوات بكيفية أسرع فلعل خلق السماوات كان بانفصال بعضها عن بعض وتفرقع أحجامها بعضها عن خروج بعض آخر منه ، وهو الذي قرّبه حكماء اليونان الأقدمون بما سمّوه صدور العقول العشرة بعضها عن بعض ، وكانت سرعة انبثاق بعضها عن بعض