هذه الآية في سورة طه.
والاهتداء : مطاوع هداه فاهتدى. والهداية حقيقتها : الدلالة على المكان المقصود ، ومنه سمي الدال على الطرائق هاديا ، وتطلق على تعريف الحقائق المطلوبة ومنه (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٤]. والمقصود هنا المعنى الثاني ، أي رجاء حصول علمكم بوحدانية الله وبما يجب له ، وتقدم في (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦].
ومعنى الرجاء المستفاد من (لعل) استعارة تمثيلية تبعية ، مثّل حال من كانت وسائل الشيء حاضرة لديه بحال من يرجى لحصول المتوسل إليه.
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١))
انتقل من الاستدلال والامتنان بخلق الأرض إلى الاستدلال والامتنان بخلق وسائل العيش فيها ، وهو ماء المطر الذي به تنبت الأرض ما يصلح لاقتيات الناس.
وأعيد اسم الموصول للاهتمام بهذه الصلة اهتماما يجعلها مستقلة فلا يخطر حضورها بالبال عند حضور الصلتين اللتين قبلها فلا جامع بينها وبينهما في الجامع الخيالي. وتقدم الكلام على نظيره في سورة الرعد وغيرها فأعيد اسم الموصول لأن مصداقه هو فاعل جميعها.
والإنشاء : الإحياء كما في قوله : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢].
وعن ابن عباس أنه أنكر على من قرأ (كَيْفَ نُنْشِزُها) [البقرة : ٢٥٩] بفتح النون وضم الشين وتلا (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢] فأصل الهمزة فيه للتعدية وفعله المجرد نشر بمعنى حيي ، يقال : نشر الميت ، برفع الميت قال الأعشى :
حتى يقول النّاس مما رأوا |
|
يا عجبا للميّت الناشر |
وأصل النشر بسط ما كان مطويا وتفرعت من ذلك معاني الإعادة والانتشار.
والنشر هنا مجاز لأن الإحياء للأرض مجاز ، وزاده حسنا هنا أن يكون مقدمة لقوله : (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ).
وضمير (فَأَنْشَرْنا) التفات من الغيبة إلى التكلم. والميّت ضدّ الحي. ووصف البلدة به مجاز شائع قال تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) [يس : ٣٣].