وإنما وصفت البلدة وهي مؤنث بالميت وهو مذكّر لكونه على زنة الوصف الذي أصله مصدر نحو : عدل وزور فحسن تجريده من علامة التأنيث على أن الموصوف مجازي التأنيث.
وجملة (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) معترضة بين المتعاطفين وهو استطراد بالاستدلال على ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من إثبات البعث ، بمناسبة الاستدلال على تفرد الله بالإلهية بدلائل في بعضها دلالة على إمكان البعث وإبطال إحالتهم إياه. والإشارة بذلك إلى الانتشار المأخوذ من (فَأَنْشَرْنا) ، أي مثل ذلك الانتشار تخرجون من الأرض بعد فنائكم ، ووجه الشبه هو إحداث الحي بعد موته. والمقصود من التشبيه إظهار إمكان المشبه كقول أبي الطيب :
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
|
فإنّ المسك بعض دم الغزال |
وقرأ الجمهور (تُخْرَجُونَ) بالبناء للنائب. وقرأه حمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر (تُخْرَجُونَ) بالبناء للفاعل والمعنى واحد.
[١٢ ـ ١٤] (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))
هذا الانتقال من الاستدلال والامتنان بخلق وسائل الحياة إلى الاستدلال بخلق وسائل الاكتساب لصلاح المعاش ، وذكر منها وسائل الإنتاج وأتبعها بوسائل الاكتساب بالأسفار للتجارة. وإعادة اسم الموصول لما تقدم في نظيره آنفا.
والأزواج : جمع زوج ، وهو كل ما يصير به الواحد ثانيا ، فيطلق على كل منهما أنه زوج للآخر مثل الشفع. وغلب الزوج على الذكر وأنثاه من الحيوان ، ومنه (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) في سورة الأنعام [١٤٣] ، وتوسع فيه فأطلق الزوج على الصنف ومنه قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣]. وكلا الاطلاقين يصح أن يراد هنا ، وفي أزواج الأنعام منافع بألبانها وأصوافها وأشعارها ولحومها ونتاجها.
ولما كان المتبادر من الأزواج بادئ النظر أزواج الأنعام وكان من أهمها عندهم الرواحل عطف عليها ما هو منها وسائل للتنقل برّا وأدمج معها وسائل السفر بحرا. فقال : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) فالمراد ب (ما تَرْكَبُونَ) بالنسبة إلى الأنعام