والمقرن : المطيق ، يقال : أقرن ، إذا أطاق ، قال عمرو بن معديكرب :
لقد علم القبائل ما عقيل |
|
لنا في النائبات بمقرنينا |
وختم هذا الشكر والثناء بالاعتراف بأن مرجعنا إلى الله ، أي بعد الموت بالبعث للحساب والجزاء ، وهذا إدماج لتلقينهم الإقرار بالبعث. وفيه تعريض بسؤال إرجاع المسافر إلى أهله فإن الذي يقدر على إرجاع الأموات إلى الحياة بعد الموت يرجى لإرجاع المسافر سالما إلى أهله.
والانقلاب : الرجوع إلى المكان الذي يفارقه. والجملة معطوفة على جملة التنزيه عطف الخبر على الإنشاء. وفي هذا تعريض بتوبيخ المشركين على كفران نعمة الله بالإشراك وبنسبة العجز عن الإحياء بعد الموت لأن المعنى : وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتشكروا بالقلب واللّسان فلم تفعلوا ، ولملاحظة هذا المعنى أكد الخبر. وفيه تعريض بالمؤمنين بأن يقولوا هذه المقالة كما شكروا لله ما سخر لهم من الفلك والأنعام. وفيه إشارة إلى أن حق المؤمن أن يكون في أحواله كلها ملاحظا للحقائق العالية ناظرا لتقلبات الحياة نظر الحكماء الذين يستدلون ببسائط الأمور على عظيمها.
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥))
هذا متصل بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الزخرف : ٩] أي ولئن سألتهم عن خالق الأشياء ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف جزءا.
فالواو للعطف على جملة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ). ويجوز كونها للحال على معنى : وقد جعلوا له من عباده جزءا ، ومعنى الحال تفيد تعجيبا منهم في تناقض آرائهم وأقوالهم وقلبهم الحقائق ، وهي غبارة في الرأي تعرض للمقلدين في العقائد الضالّة لأنهم يلفقون عقائدهم من مختلف آراء الدعاة فيجتمع للمقلد من آراء المختلفين في النظر ما لو اطلع كل واحد من المقتدين بهم على رأي غيره منهم لأبطله أو رجع عن الرأي المضادّ له.
فالمشركون مقرّون بأن الله خالق الأشياء كلّها ومع ذلك جعلوا له شركاء في الإلهية ، وكيف يستقيم أن يكون المخلوق إلها ، وجعلوا لله بنات ، والبنوة تقتضي المماثلة في الماهية ، وكيف يستقيم أن يكون لخالق الأشياء كلّها بنات فهنّ لا محالة مخلوقات له فإن لم يكنّ مخلوقات لزم أن يكنّ موجودات بوجوده فكيف تكنّ بناته. وإلى هذا التناقض