الإشارة بقوله : (مِنْ عِبادِهِ) أي من مخلوقاته ، أو ليست العبودية الحقة إلّا عبودية المخلوق جزءا ، أي قطعة.
والجزء : بعض من كلّ ، والقطعة منه. والولد كجزء من الوالد لأنه منفصل منه ، ولذلك يقال للولد : بضعة. فهم جمعوا بين اعتقاد حدوث الملائكة وهو مقتضى أنها عباد الله وبين اعتقاد إلهيتها وهو مقتضى أنها بنات الله لأن البنوة تقتضي المشاركة في الماهية.
ولما كانت عقيدة المشركين معروفة لهم ومعروفة للمسلمين كان المراد من الجزء : البنات ، لقول المشركين : إن الملائكة بنات الله من سروات الجنّ ، أي أمهاتهم سروات الجنّ ، أي شريفات الجنّ فسروات جمع سريّة. وحكى القرطبي أن المبرد قال : الجزء هاهنا البنات ، يقال: أجزأت المرأة ، إذا ولدت أنثى. وفي «اللّسان» عن الزجاج أنه قال : أنشدت بيتا في أن معنى جزء معنى الإناث ولا أدري البيت أقديم أم مصنوع ، وهو :
إن أجزأت حرة يوما فلا عجب |
|
قد تجزئ الحرّة المذكار أحيانا |
وفي «تاج العروس» : أن هذا البيت أنشده ثعلب ، وفي «اللّسان» أنشد أبو حنيفة :
زوّجتها من بنات الأوس مجزئة |
|
للعوسج الرطب في أبياتها زجل |
ونسبه الماوردي في تفسيره إلى أهل اللّغة. وجزم صاحب «الكشاف» بأن هذا المعنى كذب على العرب وأن البيتين مصنوعان.
والجعل هنا معناه : الحكم على الشيء بوصفه حكما لا مستند له فكأنه صنع باليد والصنع باليد يطلق عليه الجعل.
وجملة (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) تذييل يدل على استنكار ما زعموه بأنه كفر شديد. والمراد ب (الْإِنْسانَ) هؤلاء النّاس خاصة.
والمبين : الموضّح كفره في أقواله الصريحة في كفر نعمة الله.
[١٦ ، ١٧] (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧))
(أَمِ) للإضراب وهو هنا انتقالي لانتقال الكلام من إبطال معتقدهم بنوة الملائكة لله تعالى بما لزمه من انتقاص حقيقة الإلهية ، إلى إبطاله بما يقتضيه من انتقاص ينافي الكمال الذي تقتضيه الإلهية. والكلام بعد (أَمِ) استفهام ، وهو استفهام إنكاري كما اقتضاه قوله: