جعلتها على نفسها ، وعنه : (مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) هنّ الجواري يسفّههن بذلك ، وعلى هذا التفسير درج جميع المفسرين.
والمعنى عليه : أنّهن غير قوادر على الانتصار بالقول فبالأولى لا يقدرن على ما هو أشد من ذلك في الحرب ، أي فلا جدوى لاتّخاذهن أولادا.
ويجوز عندي : أن يحمل الخصام على التقاتل والدّفاع باليد فإن الخصم يطلق على المحارب ، قال تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج : ١٩] فسّر بأنهم نفر من المسلمين مع نفر من المشركين تقاتلوا يوم بدر.
فمعنى (غَيْرُ مُبِينٍ) غير محقق النصر. قال بعض العرب وقد بشر بولادة بنت : «والله ما هي بنعم الولد بزّها بكاء ونصرها سرقة».
والمقصود من هذا فضح معتقدهم الباطل وأنهم لا يحسنون إعمال الفكر في معتقداتهم وإلا لكانوا حين جعلوا لله بنوة أن لا يجعلوا له بنوة الإناث وهم يعدّون الإناث مكروهات مستضعفات. وتذكير ضمير (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) مراعاة للفظ (مَنْ) الموصولة.
و (الْحِلْيَةِ) : اسم لما يتحلّى به ، أي يتزين به ، قال تعالى : وتستخرجون (مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) [النحل : ١٤].
وقرأ الجمهور ينشأ بفتح الياء وسكون النون. وقرأه حفص وحمزة والكسائي (يُنَشَّؤُا) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ومعناه : يعوده على النشأة في الحلية ويربّى.
(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩))
عطف على (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) [الزخرف : ١٥] ، أعيد ذلك مع تقدم ما يغني عنه من قوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) [الزخرف : ١٦] ليبنى عليه الإنكار عليهم بقوله : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) استقراء لإبطال مقالهم إذ أبطل ابتداء بمخالفته لدليل العقل وبمخالفته لما يجب لله من الكمال ، فكمل هنا إبطاله بأنه غير مستند لدليل الحس.
وجملة الذين هم عند الرحمن صفة الملائكة. قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب عند بعين فنون ودال مفتوحة والعندية عندية تشريف ، أي الذين هم معدودون في حضرة القدس المقدسة بتقديس الله فهم يتلقون الأمر من الله بدون وساطة