[الزخرف : ٤] ومنه قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [آل عمران : ١٨١]. والسّين في (سَتُكْتَبُ) لتأكيد الوعيد.
والمراد بشهادتهم : ادعاؤهم أن الملائكة إناثا ، وأطلق عليها شهادة تهكما بهم.
والسؤال سؤال تهديد وإنذار بالعقاب وليس مما يتطلب عنه جواب كقوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر : ٨] ، ومنه قول كعب بن زهير :
لذاك أهيب عندي إذ أكلمه |
|
وقيل إنّك منسوب ومسئول |
أي مسئول عما سبق منك من التكذيب الذي هو معلوم للسائل.
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠))
عطف على جملة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٩] ، فإنها استدلال على وحدانية الله تعالى وعلى أن معبوداتهم غير أهل لأن تعبد. فحكي هنا ما استظهروه من معاذيرهم عند نهوض الحجة عليهم يرومون بها إفحام النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين فيقولون : لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ، أي لو أن الله لا يحب أن نعبدها لكان الله صرفنا عن أن نعبدها ، وتوهموا أن هذا قاطع لجدال النبي صلىاللهعليهوسلم لهم لأنهم سمعوا من دينه أن الله هو المتصرف في الحوادث فتأولوه على غير المراد منه. فضمير الغيبة في (ما عَبَدْناهُمْ) عائد إلى معلوم من المقام ومن ذكر فعل العبادة لأنهم كانوا يعبدون الأصنام وهم الغالب ، وأقوام منهم يعبدون الجنّ قال تعالى : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ : ٤١].
قال ابن مسعود : كان نفر من العرب يعبدون الجنّ ، وأقوام يعبدون الملائكة مثل بني مليح بضم الميم وفتح اللام وبحاء مهملة وهم حيّ من خزاعة. فضمير جمع المذكر تغليب وليس عائدا إلى الملائكة لأنهم كانوا يزعمون الملائكة إناثا فلو أرادوا الملائكة لقالوا ما عبدناها أو ما عبدنا هنّ. وهذا هو الوجه في معنى الآية. ومثله مروي عن مجاهد وابن جريج واقتصر عليه الطبري وابن عطية ، ومن المفسرين من جعل معاد الضمير (الْمَلائِكَةَ) [الزخرف : ١٩] ولعلهم حملهم على ذلك وقوع هذا الكلام عقب حكاية قولهم في الملائكة : إنهم إناث وليس اقتران كلام بكلام بموجب اتحاد محمليهما. وعلى هذا التفسير درج صاحب «الكشاف» وهو بعيد من اللّفظ لتذكير الضمير كما علمت ، ومن