إضراب انتقالي ، عطف على جملة (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) [الزخرف : ٢٠] فبعد أن نفى أن يكون قولهم (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] مستندا إلى حجة العقل ، انتقل إلى نفي أن يكون مستندا إلى حجة النقل عن إخبار العالم بحقائق الأشياء التي هي من شئونه.
واجتلب للإضراب حرف (أَمْ) دون (بل) لما تؤذن به (أَمْ) من استفهام بعدها ، وهو إنكاري. والمعنى : وما آتيناهم كتابا من قبله. وضمير (مِنْ قَبْلِهِ) عائد إلى القرآن المذكور في أوّل السورة. وفي قوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف : ٤]. وفي هذا ثناء ثالث على القرآن ضمني لاقتضائه أن القرآن لا يأتي إلا بالحق الذي يستمسك به.
وهذا تمهيد للتخلص إلى قوله تعالى : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢].
و (مِنْ) مزيدة لتوكيد معنى (قبل). والضمير المضاف إليه (قبل) ضمير القرآن ولم يتقدم له معاد في اللّفظ ولكنه ظاهر من دلالة قوله : (كِتاباً).
و (مُسْتَمْسِكُونَ) مبالغة في (ممسكون) يقال : أمسك بالشيء ، إذا شدّ عليه يده ، وهو مستعمل مجازا في معنى الثبات على الشيء كقوله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) [الزخرف : ٤٣].
(بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢))
هذا إضراب إبطال عن الكلام السابق من قوله تعالى : (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) [الزخرف : ٢١] فهو إبطال للمنفي لا للنفي ، أي ليس لهم علم فيما قالوه ولا نقل. فكان هذا الكلام مسوقا مساق الذمّ لهم إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرّسول وبين ما تلقوه من آبائهم فإن شأن العاقل أن يميّز ما يلقى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق.
والأمة هنا بمعنى الملة والدّين ، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء [٩٢] (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ، وقول النابغة :
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
أي ذو دين.