وعليه يحمل ما ورد في صحاح الآثار من تعذيب عمرو بن لحيّ الذي سنّ عبادة الأصنام وما روي أن إمرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النّار يوم القيامة وغير ذلك. وهذا الذي يناسب أن يكون نظر إليه أهل السنة الذين يقولون : إن معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل وهو المشهور عن الأشعري ، والذين يقولون منهم : إن المشركين من أهل الفترة مخلّدون في النّار على الشرك. وأما الذين قالوا بأن معرفة الله واجبة عقلا وهو قول جميع الماتريدية وبعض الشافعية فلا إشكال على قولهم.
(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩))
إضراب عن قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف : ٢٨] ، وهو إضراب إبطال ، أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم من رجوع بعض عقبه إلى الكلمة التي أوصاهم برعيها. فإن أقدم أمة من عقبه لم يرجعوا إلى كلمته ، وهؤلاء هم العرب الذين أشركوا وعبدوا الأصنام.
وبعد (بَلْ) كلام محذوف دلّ عليه الإبطال وما بعد الإبطال ، وتقدير المحذوف : بل لم يرجع هؤلاء وآباؤهم الأولون إلى التوحيد ولم يتبرءوا من عبادة الأصنام ولا أخذوا بوصاية إبراهيم.
وجملة (مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا لسائل يسأل عما عاملهم الله به جزاء على تفريطهم في وصاية إبراهيم وهلا استأصلهم. كما قال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) إلى قوله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٢٣ ـ ٢٥] ، فأجيب بأن الله متعهم بالبقاء إلى أن يجيئهم رسول بالحق وذلك لحكمة علمها الله يرتبط بها وجود العرب زمنا طويلا بدون رسول ، وتأخّر مجيء الرّسول إلى الإبان الذي ظهر فيه.
وبهذا الاستئناف حصل التخلص إلى ما بدا من المشركين بعد مجيء الرّسولصلىاللهعليهوسلم من فظيع توغلهم في الإعراض عن التوحيد الذي كان عليه أبوهم فكان موقع (بَلْ) في هذه الآية أبلغ من موقعها في قول لبيد :
بل ما تذكر من نوار وقد نأت |
|
وتقطعت أسبابها ورمامها |
إذ كان انتقاله اقتضابا وكان هنا تخلصا حسنا.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى غير مذكور في الكلام ، وقد استقريت أن مصطلح القرآن أن يريد بمثله مشركي العرب ، ولم أر من اهتدى للتنبيه عليه ، وقد قدّمته عند قوله تعالى :