حصوله يستلزم الجزم بانتفائه.
والقريتان هما : مكة والطائف لأنّهما أكبر قرى تهامة بلد القائلين وأما يثرب وتيماء ونحوهما فهي من بلد الحجاز. فالتعريف في (الْقَرْيَتَيْنِ) للعهد ، جعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين : عظمة المسوّد ، وعظمة قريته ، فهم لا يدينون إلا من هو من أشهر القبائل في أشهر القرى لأن القرى هي مأوى شئون القبائل وتموينهم وتجارتهم ، والعظيم : مستعار لصاحب السؤدد في قومه ، فكأنه عظيم الذات.
روي عن ابن عباس أنهم عنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة المخزومي ، وبعظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي. وعن مجاهد أنهم عنوا بعظيم مكة عتبة بن ربيعة وبعظيم الطائف كنانة بن عبد ياليل. وعن قتادة عنوا الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي. ثم يحتمل أنهم قالوا هذا اللّفظ المحكي عنهم في القرآن ولم يسموا شخصين معيّنين ، ويحتمل أنهم سمّوا شخصين ووصفوهما بهذين الوصفين ، فاقتصر القرآن على ذكر الوصفين إيجازا مع التنبيه على ما كانوا يؤهلون به الاختيار للرسالة تحميقا لرأيهم.
وكان الرجلان اللّذان عنوهما ذوي مال لأنّ سعة المال كانت من مقومات وصف السؤدد كما حكي عن بني إسرائيل قولهم : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) [البقرة : ٢٤٧].
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢))
إنكار عليهم قولهم (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، فإنهم لما نصبوا أنفسهم منصب من يتخير أصناف النّاس للرسالة عن الله ، فقد جعلوا لأنفسهم ذلك لا لله ، فكان من مقتضى قولهم أن الاصطفاء للرسالة بيدهم ، فلذلك قدّم ضمير (هُمْ) المجعول مسندا إليه ، على مسند فعلي ليفيد معنى الاختصاص فسلط الإنكار على هذا الحصر إبطالا لقولهم وتخطئة لهم في تحكمهم.
ولما كان الاصطفاء للرسالة رحمة لمن يصطفى لها ورحمة للنّاس المرسل إليهم ، جعل تحكمهم في ذلك قسمة منهم لرحمة الله باختيار هم من يختار لها وتعيين المتأهل لإبلاغها إلى المرحومين.