والمشرقان : المشرق والمغرب ، غلب اسم المشرق لأنه أكثر خطورا بالأذهان لتشوف النفوس إلى إشراق الشمس بعد الإظلام.
والمراد بالمشرق والمغرب : إما مكان شروق الشمس وغروبها في الأفق ، وإما الجهة من الأرض التي تبدو الشمس منها عند شروقها وتغيب منها عند غروبها فيما يلوح لطائفة من سكان الأرض. وعلى الاحتمالين فهو مثل لشدة البعد. وأضيف (بُعْدَ) إلى (الْمَشْرِقَيْنِ) بالتثنية بتقدير : بعد لهما ، أي مختص بهما بتأويل البعد بالتباعد وهو إيجاز بديع حصل من صيغة التغليب ومن الإضافة. ومساواته أن يقال بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق فنابت كلمة (الْمَشْرِقَيْنِ) عن ست كلمات.
وقوله (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ، بعد أن تمنى مفارقته فرّع عليه ذمّا فالكافر يذم شيطانه الذي كان قرينا ، ويعرّض بذلك للتفصّي من المؤاخذة ، وإلقاء التبعة على الشيطان الذي أضلّه.
والمقصود من حكاية هذا تفظيع عواقب هذه المقارنة التي كانت شغف المتقارنين ، وكذلك شأن كل مقارنة على عمل سيئ العاقبة. وهذا من قبل قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧]. والمقصود تحذير النّاس من قرين السوء وذم الشياطين ليعافهم النّاس كقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦].
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩))
الظاهر أن هذه الجملة معطوفة على جملة (قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) [الزخرف : ٣٨] وأن قولا محذوفا دلّ عليه فعل (جاءَنا) [الزخرف : ٣٨] الدال على أن الفريقين حضرا للحساب وتلك الحضرة تؤذن بالمقاولة فإن الفريقين لما حضرا وتبرأ أحدهما من الآخر قصدا للتفصي من المؤاخذة كما تقدمت الإشارة إليه آنفا فيقول الله ولن ينفعكم اليوم أنكم في العذاب مشتركون. والخطاب موجه للذين عشوا عن ذكر الرحمن ولشياطينهم.
وفي هذا الكلام إشارة إلى كلام مطوي ، والتقدير : لا تلقوا التبعة على القرناء فأنتم مؤاخذون بطاعتهم وهم مؤاخذون بإضلالكم وأنتم مشتركون في العذاب ولن ينفعكم أنكم في العذاب مشتركون لأن عذاب فريق لا يخفف عن فريق كما قال تعالى : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٣٨].
ووقوع فعل (يَنْفَعَكُمُ) في سياق النفي يدل على نفي أن يكون الاشتراك في العذاب